الجامعة العربية والأزمة السورية

الظاهر للعيان أمران، الأول هو أن إراقة دماء الشعب السوري وأحياناً دماء الجيش وقوات الأمن، أي أن الدم السوري عموماً لا يتوقف، والأمر الثاني، هو أن هذا المنظر المؤلم تنكره السلطات السورية في البداية ثم اضطرت إلى الاعتراف به على أساس أن هذه السلطات تدافع عن الوطن ضد العملاء والمرتزقة. معنى ذلك أن هناك مشكلة، تنظر إليها الأطراف المختلفة من زوايا متباينة وتشتبك هذه الأطراف كل يوم تتزايد فيه أعداد هذه الأطراف، ولكن يظل المشهد الدموي كما هو شهداء يتساقطون ومنازل تهدم وأعمال عنف ترتكب وأمن معدوم. والمؤلم أن المعلومات عن الوضع في سورية له مصدران: دولي متهم بالتآمر وتأليب الشعب، وداخلي متهم بالنظرة الأحادية، ولكن الأكثر إيلاماً أن هناك شكوكاً سورية قوية في الجامعة وأعضائها أي الوسط العربي كله، وفى تركيا، وبين الخوف على الوطن، وسقوط الضحايا، نشأ مجلس انتقالي وتنسيقيات للثورة، ثم جاءت المبادرة العربية وسط تصاعد الأزمة، وهي في أبسط معانيها محاولة عربية لاحتواء الموقف داخل سورية بتسوية مع النظام وحوار بينه وبين المعارضة خارج سورية.
ولكن يسبق ذلك التزام الحكومة بسحب قواتها من المدن، والتزام المعارضة بوقف العنف ضد الحكومة، لأن الشعب السوري هو الذي يدفع الثمن. كان يتعين على المبادرة أن تنص في البداية على تشكيل لجنة حكماء تمثل الجامعة، أو لجنة أهلية تقبل الحكومة السورية التعاون معها لتقصي الحقائق، فإن وجدت اللجنة أن سورية تتعرض لمؤامرة وأن قوى تسللت تحارب السلطة وقفت الجامعة مع سورية الحكم والوطن، وإن وجدت غير ذلك التزمت الحكومة بمحاكمة المتورطين في المجازر من الجانبين.
بين الاتهام بالتآمر، وإراقة الدماء يتصاعد الوضع في سورية وترفض المعارضة الحوار مع الحكومة. والنظام يدرك من ناحية أخرى أن هذه الخطة تؤدي في النهاية إلى تصفيته، ولذلك ينظر إلى المبادرة العربية بالشك مع استمرار القتل والمجازر كل يوم ثم دانت الجامعة القتل، ثم أعلنت الحكومة السورية أن واشنطن حرضت المسلحين على عدم تسليم أسلحتهم، ثم شنت سورية حملة على الجامعة بعد إدانتها لأعمال القتل وطالبت بإدانة التدخل الأمريكي في الشأن السوري، وكأنه هو الأساس، وما بين إدانة الجامعة للقتل وإلحاح سورية على إدانة واشنطن تسد طرق الإنقاذ وتفتح أبواب المؤامرات.
وعندما يجتمع وزراء الخارجية العرب بعد يومين لبحث الوضع السوري، يجب أن تصر الجامعة على نجاح مبادرتها وأن يبدأ تنفيذ المبادرة بإرسال بعثة تقصى الحقائق لرؤية الواقع على الأرض، رغم ما يتردد أن الجامعة قد تفكر في فرض عقوبات على سورية للضغط عليها للتعاون بصدد المبادرة، خاصة أن الرئيس بشار يؤكد أن نظامه سيخرج مظفراً وقوياً. يتردد أيضاً أن الجامعة قد تحيل ملف سورية إلى مجلس الأمن، خاصة أن الاتحاد الأوروبي يدرس تجميد الأموال والأصول السورية في الخارج.
نرجو من النظام في سورية أن يدرك أن إراقة الدماء هي التي تفتح الباب لهذا التدخل ولكل المؤامرات، نظرية المؤامرة صحيحة في بعضها ولكنها ليست مسوغاً لإراقة الدماء، وأخشى أن تسقط المبادرة في الجدل بين النظام والجامعة وتتفاقم المشكلة ضد الوطن والشعب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي