.. وداعًا سلطان الخير والمبرات ..

رحم الله سلطان الخير، أمير الإنسانية،وتغمد الله القائد المعطاء بواسع رحمته، وعظيم غفرانه، فقد‮ ‬أوفى بما عاهد الله عليه صدقًا في‮ ‬القول‮، ‬وإخلاصًا في‮ ‬العمل‮، وأسهم في إرساء دعائم الأمن والاستقرار في‮ ‬ربوع وطننا العزيز. والحديث عن الأمير سلطان بن عبد العزيز،‮ ‬ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء‮،‮ ‬ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام، تغمده الله برحمته،‮ هو الآن حديث الوفاء للقيادة الحكيمة والإرادة والعزيمة، قيادة جمعت‮ ‬لمنسوبيها وتجاوزتهم لبقية أبناء الوطن ووفرت لهم أفضل سبل العيش الكريم في‮ ‬مختلف نواحي‮ ‬الحياة العمرانية والاجتماعية وغيرها‮؛ بينما ظهرت حكمته في‮ ‬حرصه على مصالح أفراد شعبه وتسخير الإمكانيات لاستقرارهم وتعليمهم وتطويرهم، وبرزت الإرادة في‮ ‬القوة على تحمل الصعاب والمشكلات وتحدي الظروف القاسية التي‮ ‬كانت في‮ ‬الماضي‮ ‬وتحويل الحلم إلى حقيقة‮. ‬
‮ ‬إن الوفاء والاعتزاز والفخار تجاه قائدنا الراحل، هو ما‮ ‬يحرّك مشاعر قلوبنا، امتنانًا ووفاءً لرجل دولة وضع بذور آمالنا فازدهرت أزهارًا لامستْ‮ ‬في‮ ‬شموخها عنان أعرق المجتمعات وأرقاها‮. ‬سلطان الخير والإنسان، الذي ‬لم يُعرف عنه، رحمه الله، أنه محدود العطاء ولا مقبوض اليدين؛ بل كان نظره‮ ‬يمتد إلى‮ ‬كل سكان‮ ‬مناطق‮ المملكة كافة‮ جغرافيًا وسكانيًا، ويداه مبسوطتان بالعطاء لكلّ‮ ‬قاصد، و‬طالب علم و‮‬صاحب حاجة.
وعلى الرغم من المسؤوليات الجسام التي‮ ‬تحملها سموه الكريم؛ فإن مساهماته الحضارية الكبرى‮‬صارت وقودًا‮‬خدميًا‮. ‬ولعل أهم ما يميز مسيرة هذا القائد الفذ‮، رحمه الله،‬في‮ ‬مسيرة عطائه،‮ ‬توجهه‮‬الكريم لإحياء تراث الأمة وتجديده أو ابتكار مشاريع نهضوية ثقافية كبرى من الممكن أن‮ ‬يكون ذكرها أكثر تواصلاً‮ ‬واستمرارية من‮ ‬غيرها ‮..‬
‮ ‬‮‬كان سلطان القائد والإنسان، من القلائل الذين‮ ‬يكتبون التاريخ ويكتبهم التاريخ بكل جلاء‮، قائدًا له نهجه في‮ ‬الحياة؛ ‬ولئن كان لكلٍ مدلولُه؛ فمدلول هذا الإنسان هو البذل والتفاني‮ ‬بلا حدود، حيث يعرف القاصي‮ ‬قبل الداني‮ ‬مرامه الكريم‮ ‬وشموخ ما‮ ‬يؤيده ويباركه ويوافق عليه سلطان الإنسانية، ومكرماته التي نعجز عن حصرها،‮ و‬باتت جزءاً‮ ‬من سلوكه ومسعاه الخيّر. ‬لا‮ ‬يتوقف عند أمر من الأمور ولا إضافة من الإضافات التي‮ ‬يدفعها بجهده وماله فكم من الأعمال التي‮ ‬رفع مكانتها أو تلك التي‮ ‬أسسها.
حاز، رحمه الله، رؤية ثاقبة؛ ‬رأى بها المستقبل بعيون الحاذق لم‮ ‬يأت موقفه تجاه‮ ‬المحتاجين والمعوزين عن وقت أو جيل له زمنه ومكانه وإنما جاء ليمتد ويتطور ويشمل‮ ويعم، ‬ولا أظن أن هناك محافظة ولا مدينة ولا إقليما في‮ ‬هذه البلاد إلاّ‮ ‬ولمبرات هذا الرجل الإنسان فيها ما‮ ‬يلفت إليها؛ فلم‮ ‬يكن عطاؤه محدودًا‮ ‬ولا متوقفاً‮ ‬على المناسبات والرسميات أو بتأثير من الأضواء وإنما‮ ‬ينطلق عن سجية وأريحية ما عرف به وله‮.‬
ولعل أصدق قول وصف به هذا الإنسان الخيّر، ما ذكره أخوه الواثق الأمير سلمان بن عبد العزيز،‮ ‬أمير منطقة الرياض‮، حفظه الله ورعاه،‬في‮ ‬حفل تدشين جامعة الأمير سلطان الأهلية: ''‬لقد قلت في‮ ‬أكثر من موقف‮.. ‬إن سلطان بن‮‬عبد العزيز جمعيات خيرية بذاته،‮ ‬عقول فيها خير تفكر وتؤسس وتنمي‮ ‬بالخير وللخير‮''.‬
‮ ‬لقد زرع الأمير الإنسان - رحمه الله - الابتسامة على شفاه الأيتام واليتيمات وامتدت عطاياه، ويداه‮ ‬إلى الأرامل والمطلقات في‮ ‬خدورهن وبيوتهن؛ فاتخذت كل أرملة وكل مطلقة امتدت‮ ‬يداه لهن ركنًا من أركان بيوتهن قائمات ساجدات تصعد دعواتهن إلى السماء ليلاً‮ ‬يدعون‮‬لسلطان الخير‮..‬؛‬ لأنه‮‬أسهم في‮ ‬إزاحة الهم والغم‮ ‬عن صدورهن، هموم أقساط الديون ‮.. وقد لا أتجاوز الحقيقة إلا بما هو واقع ومسموع فمنذ أن وصل إلى مسامعه أن بعض مواطنيه: نساء وأيتاما وشيوخا طاعني السن قستْ عليهم ظروف الحياة المعيشية وعقوق الأقارب وما إن علم بحالهم حتى سارع‮، ‬رحمه الله، ‬بمسح عرق جباههم فأشبع جوعتهم وكسا عريهم؛ وأزال العبوس عن وجوههم وأدخل السرور على نفوسهم؛ فتحقق له إن شاء الله قول الرسول الأعظم‮ .. ''‬ما من مسلم‮ ‬يدخل على مسلم سرورًا؛ فإذا وضع في‮ ‬قبره جاءه هذا السرور فيقول: مَنْ أنت؟ فيقول: أنا السرور الذي‮ ‬أدخلته على فلان في‮ ‬الدنيا جئت أؤنس وحشتك وجئت أشفع لك‮''.
والدنا الفقيد، حبيب قلوبنا‮ ..، نم قرير العين والفؤاد، ففي‮ ‬ظلِّ‮ ‬عطائك وبسط أيديكم مضت ‬سنوات التحول العظيم واستمر العطاء متدفقًا بالخير، عمَّ ‬كل مكان وانطلقت مواكب البناء إلى أرحب الآفاق لتتواصل سنوات التقدم والازدهار وتعلو صروح التنمية وتزداد شموخًا ورسوخًا وتسمو‮‬فيها المملكة إلى أعلى المراتب في‮ ‬المجد والرقي‮ .. ‬وتقف في‮ ‬زهو واعتزاز تباهي‮ ‬الدنيا بإنجازات جيشها وتتطلع إلى تحقيق المزيد وصنع‮ ‬غد مشرق بالرخاء ‮..؛ ‬فالواقع على أرضنا والأعمال العظيمة، تشهد بلا مبالغة أو إفراط أنكم قد أوفيتم بعهدكم ووعدكم وحققتم منظومة دفاعية قوية‮‬ذخرًا لنا وللمسلمين كافة ‮..، وستظل أبدًا ‬الوالد والقائد ‬من عصر العمالقة في‮ ‬وطننا العربي والإسلامي‮.. ‬روّضتم المال للبناء والانطلاق في‮ ‬معراج التقدم والرفاهية كما روّضتم المال لخدمة أمتكم، دونما تردد أو منّة على أحد ‮..، لقد روّضتم حقًا المال لصالح الإنسان‮ ..‬!
نعزِّي أنفسنا في وفاة الوالد الأمير سلطان بن عبد العزيز، رحمه الله رحمة واسعة، وأدخله فسيح جناته، سائلين الله تعالى له المغفرة والرحمة وأن يسهل عليه حسابه، وأن يلهم الجميع الصبر والسلوان .. إنه على ذلك لقدير.
(إنا لله وإنا إليه راجعون)

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي