سلطان.. غياب يشبه الحضور

لو لم يكن للسعوديين من فقيدهم الكبير، سوى إصراره على تقبيل رأس ضباط وأفراد عسكريين زارهم بالمستشفى، وهو عائد من رحلة علاجية، لكفاهم منه دهرا، وذكروه عمرا، فكيف إذن وهو سلطان بن عبد العزيز الذي لم تفارقه ابتسامته أبدا، ولم يسابقه على فعل الخير إلا هو، ولم يعبس قط في وجه أحد من أفراد شعبه. لم تكن تلك القبلات التي طبعها على رؤوس جنوده، والسعوديون يعلمون معناها جيدا وهي تصدر من الراحل الكبير، سوى درس جديد قدمه سلطان بن عبد العزيز في ارتباط إنسان هذه الأرض، حاكما ومحكوما، بوطنه وبشعبه مهما اختلفت المسميات والألقاب والمناصب، وإلا دلوني على من يفعل ذلك في أي بلد عربي آخر، بهذه الأريحية والبساطة التي لا يمكن أن تصدر إلا من سلطان وكفى. ربما كان قدر السعودية أنها تقع في منطقة هي أقرب للتوتر منها للاستقرار، بداية بالمحاولات المستميتة للناصرية، مرورا بحرب اليمن، ثم الحرب العراقية - الإيرانية وما تبعها من سعي لطهران لتصدير الثورة، وبعدها الغزو العراقي للكويت، ثم الغزو الأمريكي للعراق، وأخيرا المحاولة الحوثية الفاشلة على الحدود الجنوبية للسعودية. كانت المحاولات لا تتوقف للتأثير في هذه البلاد، لكن في الوقت نفسه كان قدر البلاد أن أحد كبار رجالاتها ووزير دفاعها، بل خط دفاعها الأول، هو الراحل سلطان بن عبد العزيز. كلنا يفهم الظروف القاسية التي عاناها الفقيد في مرضه الأخير، إلا أن لحظات الإعلان عن رحيل سلطان الخير لم تمر سريعا على الشارع السعودي، وكان القاسم المشترك بينهم هو تذكر المواقف التاريخية والإنسانية للفقيد، التي نادرا ما تجتمع في آن واحد. جمع سلطان السعوديين في حياته، وها هو يجمعهم أيضا حتى بعد رحيله. لقد حفر الشعب السعودي في ذاكرته اسم سلطان الخير. توقفوا طويلا أمام مبادراته الخيرية، ولمساته الإنسانية، ورؤيته الإدارية. لم يكن الفقيد رجل دولة فحسب، بل كان أيضا إنسانا في المقام الأول. رحل لكن ذكراه باقية، وفاجعة فقدانه، لن تمضي بسهولة، لكن من قال إن الحاضرين فقط هم من يبقون معنا؟ فها هو رجل بحجم وذكرى سلطان بن عبد العزيز حاضر حتى في غيابه. صحيح أن فاجعة السعوديين بوفاة ولي عهدهم لا تعوض، لكنهم واثقون بأن سفينتهم تمضي بثبات في بحر من الأمواج المتلاطمة. هكذا كانت السعودية، وهكذا أرادت لها قياداتها، ولا يشك أحد أن الراحل كان مطمئنا حتى وهو يغادر هذه الدنيا الفانية، بعد أن قام بمهمته كما لم يقم بها أحد، في حراسة أمن وحدود بلاده داخليا وخارجيا. رحم الله سلطان بن عبد العزيز.. وعزاء السعوديين أنهم لم ينسوا أبدا أيا من قادتهم الراحلين في دعائهم سرا وجهرا، وبالتأكيد لن ينسوا سلطان الخير من خالص دعائهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي