شكراً إيران.. و«إخوانها»!
ها هي تفعلها إيران وتكشف عن وجهها بحسم موقفها في تصريحاتها المتناقضة، التي يمكن أن تصنف ضمن قاموس الخداع السياسي. فالراصد للموقف الإيراني يجد أنه ينقسم إلى قسمين، خطاب دبلوماسي ناعم يركز على حُسن الجوار وسُبل التعاون، أما الخطاب الآخر فهو خطابٌ ثوري يعبّر عن أيديولوجيا الثورة الإيرانية تجاه دول الخليج والسعودية. أمام ذلك؛ لا نقول لملالي طهران، و''إخوانها''، سوى: شكراً! ففي أقل من أسبوع، كشفت إيران عن سياستها ونيّاتها الحقيقية، وفي المقابل تخبطها السياسي، وذلك من خلال حادثتي العوامية ومحاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن أخيراً. إيران منذ فشل محاولاتها في استغلال السعودية لتصدير الثورة الإيرانية عسكرياً وفكرياً وهي تلعب على أوتار الخداع السياسي في كر وفر. لم يكن أمام النظام الإيراني إلا أن يغامر بمد أصابعه للخليج، والسعودية بالذات، كمركز ثقل، خاصة وهي تشاهد خاصرتها سورية على وشك انهيار نظامها الحالي وفي حال ضعفٍ أمام ثورة شعبها وغليانه المتصاعد ضد نظامه وعدم استيعابها فشلها في إنقاذه وهي التي - إيران - قد بدا ظهور لونها الواضح في حرب النظام السوري ضد شعبه. إيران بفعلها هذا حدّدت الأطر اللازمة للتعاطي معها سعودياً في المرحلة الحساسة المقبلة، حيث لم تلق إيران بالاً لأيٍّ من المعايير والأعراف الدولية، حتى في خصومتها بمحاولة اغتيال السفير السعودي الفاشلة الأخيرة وقبلها محاولتها هزّ الوحدة الوطنية بإشعال نار الفتنة في العوامية، نجدها فجأة قد غيّرت تكتيكها من العمل السري الحذر ضد كل ما هو سعودي، إلى المخاطرة بالعمل المكشوف وفق آليات العمل المليشيوي، كما هو ذراعها اللبناني حزب الله، وهو ما يرقى إلى اعتباره إرهاب دولة، وبلوغ طهران هذه المرحلة من العمل الإجرامي، لا يعني إلا أمراً واحداً، أنها مستعدة لبلوغ أقصى ما يمكن تصوره، لتحقيق هدفها الواضح، وهو ضرب استقرار السعودية بكل الوسائل والسبل. لعل السؤال الأهم هنا: هل فُوجئ السعوديون بالمؤامرة الإيرانية؟ الإجابة البدهية: لا، فمنذ الثورة الإيرانية والمحاولات العدوانية والألاعيب الشيطانية، من إيران وأدواتها، ماضية لا تتوقف، ولو سردناها لاحتجنا إلى الكثير من السطور التي لا يكفي لها هذا المقال، لكن المثير أن هناك بيننا مَن لا يزال يعتبر أي محاولة للتحذير من الخطر الإيراني مبالغة وتخوفاً غير مفهوم، بل هناك مَن لا يزال يجنح إلى أن هناك مَن يمضي في نقده وتعريته للمشروع الإيراني، كتابة وبحثاً، مصاباً بفوبيا ضد إيران، الأدهى والأمر أن هـؤلاء يجاهرون بموقفهم، ليس في الغرف المغلقة فحسب، بل على أعمدة الصحف السعودية ذاتها. مَن يصدق أن هناك مَن يدافع عن دولة تجاهر بالعداء ضد بلاده .. نعم إنه يحدث فقط هنا! وليس بالسر الحديث عن الارتباط ''الإخواني'' الإيراني منذ سقوط الشاه وحكم الملالي لطهران، فالشواهد كثيرة، من مصر إلى ''حماس'' وصولاً لتونس والسودان، حتى تركيا، وليس مفاجأة أن يكون هناك حضور طاغ إخواني في العلاقات مع الدولة الفارسية، ربما هذا الأمر لم يكن مكشوفاً بالشكل الصريح داخل التيارات السعودية، أو بمعنى أن أفراده لا يصرحون بانتمائهم الإخواني، فضلاً عن انزعاجهم من الكشف أو نقد هذه العلاقة. لكن هذه العلاقة لا يمكن القفز عنها عند محاولة معرفة تأثير المؤامرات الإيرانية في الداخل السعودي، لذا كم كان صادماً موقف هؤلاء من أحداث العوامية الأسبوع الماضي، ومحاولتهم المكشوفة للفت الانتباه لقضايا هامشية بطريقة مفضوحة، وبلغت محاولتهم الغبية التشكيك في بيان وزارة الداخلية .. لمصلحة مَن؟ بالطبع لمصلحة إيران. أيضاً هذه المرة سيكررونها في مؤامرة محاولة اغتيال عادل الجبير.. انتظروا قليلاً وسترون، محاولاتهم المكشوفة للتبرير أو خلق الأعذار أو في أضعف الإيمان الصمت دون أن يكون لهم موقف واضح وصريح، كما هي عادتهم، عندما تتعرّض خاصرة الوطن لشوكة. أن تسعـى إيران لتكرار اعتداءاتها المرة تلو الأخرى دون رادع أو خشية من القانون الدولي، أمر ليس بالجديد على السياسة الخارجية الإيرانية، إلا أن المُحبط أن نرى ونقرأ ونسمع مَن لا يزال يصنع التبريرات والأعذار لأي موقف إيراني ضد المملكة، هنالك من استمرأ الوقوف أمام مصلحة بلادهم في جميع الحالات، مصدقين المسرحية السمجة التي كتبوها وأخرجوها، ووحدهم شاهدوها وصفقوا لها، والتي تقوم على التشكيك في بكل ما هو وطني، وتبرير كل ما هو ضده، غير أن نمو هذه التيارات من دون موقف قوي، من المجتمع نفسه، يعني أننا سنتفرج عليهم طويلاً، قبل أن نجد أنفسنا قد أعجزتنا الحيل لمواجهة أفكارهم الصادمة، كما أصابنا ذلك مع آخرين أشربونا من الكأس نفسها. لا يمكن لأي متابع للشأن السياسي أن يرى إيران وهي تتابع محاولاتها المرة تلو الأخرى، ويصدق أنها دولة جارة وليست عدوة، نعم هذه هي الحقيقة حتى لو كانت البروتوكولات الدبلوماسية لا تعبّر عن هذا الموقف، وهو أمر مفهوم في علاقات الدول، لكن الأهم أن الشارع السعودي، بأغلبيته، أضحى أكثر وعياً وإدراكاً أن طهران لم تعد إلا دولة معادية لا تترك سبيلاً للتنغيص على هذه البلاد إلا وتقترفه. هنيئاً لإيران بـ ''إخوانها''، وهنيئاً لهم بـ ''إيرانهم''!