هل في مصر فتنة طائفية؟

شهدت القاهرة مساء الأحد التاسع من تشرين الأول (أكتوبر) الجاري مذبحة أمام مبنى ماسبيرو في وسط القاهرة، بدأت بمظاهرة سلمية من بعض الشباب القبطي تحتج على هدم كنيسة أو مبنى خدمات كنسية في أسوان، مطالبين بعزل المحافظ وكذلك بالإسراع في صدور قانون العبادة الموحد، الذي لا يزال منذ سنوات يراوح مكانه. ثم دخل إلى المشهد مجموعة غامضة من الشباب قدمت من بعض الأحياء الشعبية ومسلحة بالبنادق الآلية واشتبكت مع الجيش والأمن واستمرت المعركة ساعات عدة راح ضحيتها نحو 30 قتيلا من الجانبين ومئات الجرحى، ثم امتدت المواجهات بين مسلمين وأقباط إلى مناطق أخرى وسط القاهرة. ودان المسؤولون المؤامرات الخارجية، التي تسببت في هذه الأحداث، لكنني أرى أن هذه الأحداث لها دلالات خطيرة تتجاوز الفتنة الطائفية، أي الصراع بسبب الانتماءات الدينية. ونذكر القراء بأن رئيس المخابرات الإسرائيلية السابق عاموس يالدين كان قد أكد في تقريره إلى القيادة الإسرائيلية في تشرين الأول (أكتوبر) 2010 أن الموساد هو الذي يسعى إلى إضعاف مصر عن طريق الفتنة الطائفية؛ لذلك لا بد من الكشف عن أسرار تفجير كنيسة القديسين في الإسكندرية ليلة رأس السنة الميلادية، حيث تشير بعض الأدلة إلى تورط وزارة الداخلية في عهد العادلي مع الموساد في ذلك. ولوحظ في مذبحة ماسبيرو أن المهاجمين يتسلحون لأول مرة بأسلحة آلية وأن العدوان تم على الجيش المصري، فكأن الموساد أراد أن ينال من هذا الجيش داخل مصر وبأيد مصرية مأجورة بعد أن عجز عن مواجهته في ميدان المعركة في سيناء عام 1973.
من ناحية ثانية، لوحظ أنه بينما كانت مصر تلعق جراحها بسبب هذه المأساة كانت وزيرة الخارجية الأمريكية تصرح بأن القوات الأمريكية مستعدة لحماية الأقباط والمنشآت الحساسة، أي أن واشنطن قررت أن هذه المواجهة تعني عدم قدرة السلطات في مصر على حماية الأقباط وكأنهم يتعرضون لهجمة من المسلمين وأنهم في حاجة إلى حماية الولايات المتحدة بقوات عسكرية! هذا التصريح يمس ثلاثة خطوط في نظرة واشنطن إلى مصر، الأول: علاقة واشنطن بالمتطرفين الأقباط، والثاني: الاهتمام الأمريكي المتزايد بالمسألة الدينية في مصر وما تردد في ثنايا ذلك من مشروعات للإضرار بالوحدة الترابية المصرية، والثالث: ضغط إسرائيل على واشنطن حتى لا تتحرك مصر نحو الديمقراطية. ولا أدري كيف رد المجلس العسكري على الولايات المتحدة التي انتقدت الأوضاع في مصر والمجلس العسكري بالذات، لكن الذي أفهمه أن تراخي السلطات في مصر عن تهيئة الأوضاع كي يسير المجتمع إلى نظام ديمقراطي توافقي وترك الساحة لكل المدخلات، أدى إلى تبريد المطالب وأولها عزل النظام القديم عن محاولات تعويق طريق مصر الجديدة، فضلا عن التراخي في الإصلاحات؛ ما أدى إلى تفاقم الأوضاع.
معنى ما تقدم أن مصر مهيأة لفتنة طائفية، والعلاج هو تغيير الأوضاع وليس القفز عليها؛ لأن الفتنة الطائفية تقوم على ثلاثة أضلاع الأول هو مؤامرة الخارج والاستقواء الداخلي به، والثاني عدم التحقيق الجدي في شكاوى الأقباط، والثالث حالة التردي العام التي تصيب المواطنين جميعا أقباطا ومسلمين. المؤامرة واضحة وعلى الشعب أن يفوّت فرص نجاحها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي