من فرسان.. خطوة واعدة

قبل نحو ثلاث سنوات كتبت في ''الاقتصادية'' مقالا بتاريخ 1/5/1429هـ عن الحاجة لوضع خريطة طريق لسوق الطاقة في المملكة، مسارها الأساس ترشيد الاستهلاك، والآخر بناء دور مؤثر في تطوير وصناعة مصادر الطاقة البديلة والاستثمار في الشركات التي تمتلك وتنتج تلك التقنيات. ذلك أن المملكة لم تعد منتجاً رئيساً للنفط والغاز فحسب، بل انضمت في السنوات الأخيرة إلى قائمة كبار المستهلكين. إذ يبلغ ما يُستخدم محلياً في الوقت الراهن نحو ثلث إجمالي ما ينتج من الطاقة الهيدروكربونية (النفط والغاز) وبمعدل زيادة سنوية يتراوح بين 8 – 10 في المائة، وهو معدل عال بكل المقاييس. بالطبع جزء من ذلك الاستهلاك ومن تلك الزيادة قد يكون له ما يبرره في النمو الصناعي وبالذات كمادة لقيم (feedstock) في الصناعات البتروكيماوية، لكن هناك مساحة واسعة للترشيد في قطاع النقل وعمليات إنتاج الكهرباء وتحلية المياه التي تستقطع مجتمعة حصة لا تقل عن مليوني برميل يومياً بين نفط وغاز.
لذا أسعدني التقرير الإخباري الذي طالعتنا به جريدة ''الوطن'' في عددها الصادر بتاريخ 4/11/1432هـ تحت عنوان ''الكهرباء تصل إلى فرسان بواسطة الطاقة الشمسية''، وإن كانت المعلومات التي ساقها التقرير شحيحة. إذ لم نجد في ثنايا الخبر أرقاما عن قدرة التوليد الكهربائية للمشروع، أو تكلفة إنشائه وتشغيله، والمقارنة بين تلك التكاليف وما هو مشاهد في مصادر الإنتاج التقليدية، وما إلى ذلك من بيانات قد تعين المرء على فهم الموضوع بشكل أفضل. على أن ذلك الشح في المعلومات هيأ لي فرصة للاتصال مباشرة ببعض كبار المسؤولين في الشركات الوطنية المعنية بالمشروع، حيث تحدثت إلى رئيس شركة أرامكو السعودية وكبير إدارييها التنفيذيين المهندس خالد الفالح الذي لم يبخل بالإجابة عن استفساراتي عبر الهاتف، ثم أتبع المكالمة بمذكرة كانت معدة سلفا عن المشروع. كما تحدثت مع المهندس فؤاد الشريبي، نائب الرئيس التنفيذي لتوليد الكهرباء في الشركة السعودية للكهرباء.
إن مشروع فرسان لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية تبلغ قدرته 500 كيلوواط فقط، أي أنه يعد صغيرا فيما لو قورن بالمحطات التقليدية التي تغذي الجزيرة حاليا. وقد يكون من المناسب تقريب الصورة للقارئ بالقول إن 500 كيلوواط قد تسد حاجة نحو خمسين أسرة متوسطة الدخل من الكهرباء، بينما يقدر عدد سكان جزيرة فرسان بنحو ثماني عشرة ألف نسمة. ذلك الحجم المتواضع للمشروع لا ينتقص من أهميته بالنسبة لما سيأتي من بعده من خطوات وما سُيبنى عليه من قرارات اقتصادية وتجارية، إذ توفرت له الكثير من المقومات ليؤدي دوره كمشروع استرشادي ''Pilot Project'' بامتياز. من أهم تلك المقومات تركيبة الشركاء الاستراتيجيين في المشروع وهم شركة أرامكو السعودية، الشركة السعودية للكهرباء، والشركة اليابانية شواشل التي تملك أرامكو نسبة 15 في المائة من رأس مالها.
من بين العوامل الاقتصادية التي تدفع نحو التوسع في استخدام الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء في المناطق النائية هي تكلفة نقل الوقود التي قد تزيد على قيمته في كثير من تلك الحالات. فجزيرة فرسان، مثلا، يفصلها عن اليابسة أكثر من 35 كيلومترا من البحر، وهي رحلة شاقة ومكلفة لنقل نحو ثلاثين ألف برميل من الديزل سنويا. وإن كان من المبكر عقد مقارنة بين تكاليف الإنتاج باستخدام الأسلوب التقليدي الحالي الذي يعتمد على مولدات الديزل وبين تكاليف الإنتاج باستخدام الطاقة الشمسية، إلا أنه يبدو أن شركة أرامكو السعودية قد عقدت العزم على تبني التقنية الجديدة وتشجيع استخدامها في المناطق النائية التي تحرق سنويا بالمعدلات الحالية نحو 700 ألف برميل من الديزل، وهي كمية من الوقود لا يستهان بها.
لا شك أن هناك عقبات فنية لا تزال تواجه استخدام الطاقة الشمسية كمصدر للكهرباء يمكن الاعتماد عليه على مدار الساعة، ما يحتم وجود معدات التوليد التقليدية بجانب الخلايا الشمسية. لكن رغما عن تلك العقبات، هناك أسباب عدة تدعو للاهتمام بمشروع فرسان، إذ إنه يشكل خطوة واعدة على خريطة طريق استهلاك الطاقة في المملكة، كما أن قياسات أدائه تعد إضافة قيمّة للأبحاث والدراسات التي تعكف عليها جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة، وشركة أرامكو السعودية..

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي