Author

عن القراءة بالأذنين!

|
قبل بداية العام 2011م وضعت لنفسي خطة قرائية لا يمكنني مقاومتها أو الخروج عنها بأعذاري الواهية المعهودة بسبب الانشغال أو غيره. كانت الخطة قراءة ما إجماله 24 كتاباً، بحيث أنتهي من كتابين كل شهر. قارنت خطتي القرائية - المتفائلة جداً - بخطط أخرى يظهرها المتحمسون للكتب كل عام، البعض منهم حدد كتابا لكل أسبوع في السنة والبعض الآخر حدد كتابين لكل أسبوع.. وهكذا. وضعت التحدي لنفسي ونسيته تماماً نظرا لتغير معدل السرعة في القراءة وظهور قراءات إلزامية أكاديمية خلال الفترة الزمنية المحددة. في حزيران (يونيو) اكتشفت متعة قرائية جديدة اكتشفها الآلاف قبلي. المتعة الجديدة المقصودة هي الاستماع للكتب بدلا من قراءتها من الورق. لم أفكر في إحصاء الفوائد التي جنيتها من ذلك الاكتشاف مباشرة، على أي حال .. اكتشفتها مع مرور الوقت وتغير عاداتي القرائية بالتزامن مع الاستماع. كان التحدي - كما يظهر عداد الموقع الذي سجلته فيه - قد وصل إلى أقل من المنتصف تقريبا، أي أن العام سيشارف على الانتهاء ولم أنجز ذلك الوعد الذي أبرمته مع كتبي! ما إن بدأت باقتناء الكتب على هيئة تسجيلات صوتية مدمجة في هاتفي المتنقل حتى أصبحت أنتهي من كتاب إلى كتابين أسبوعياً. تلك الكتب التي تصلح لأن تكون طاولة شاي صغيرة يمكنكم الانتهاء منها خلال 11 ساعة - كمعدل -، أي بتقسيم المدة لساعتين يومياً تنهون كتابا من ستمائة صفحة خلال خمسة أيام مع ملاحظة أن هذه الحسابات ليست دقيقة مائة في المائة، لكنها تحليلاتي للكتب التي أنجزتها. بعد تجربتي القصيرة – المستمرة - بحثت في مصادر متعددة عن فائدة القراءة بالاستماع، وجدت الكثير من المواقع والمقالات التي تمتدح هذا الاختراع العجائبي في اختصار الوقت وتسهيل الاطلاع في كل وقت وكل مكان. الكتب السمعية أعادتني إلى تجربة القراءة الأولى في الصّغر، كانت بعض القصص تأتي مرفقة بشريط كاسيت صوتي تمكن الطفل من القراءة من الكتاب ومتابعة الراوي أو الاستماع للشريط بمعزل عن الورق. لهذه الوسيلة التعليمية الرائعة أثر ما زال يدرس حتى يومنا هذا على تحسين مهارات القراءة لدى المبتدئين ومنحهم الفرصة لتأمل شكل الكلمات وربطها بأصواتها. أعود مجددا لتجربة الكتب الصوتية وأتذكر الكتب الأكاديمية الضخمة سواء العلمية منها أو الأدبية التي يطالب الدارسون بإنهائها خلال فترة وجيزة، خاصة تلك التي كُتبت بلغة ثانوية تضيف المزيد من الصعوبة لسرعة قراءتها. فالحل الأسرع لهذه المعضلة هو الاتجاه إلى الكتب المسموعة، هكذا يتمكن الطالب من إنجاز أعماله الأخرى بينما يستمع للكتب ليغطي جزءا كبيرا منها إذا لم يتمكن من إنهائها. الكتب المسموعة كذلك تفتح للقارئ آفاقا جديدة، مجالات ومواضيع لم يتمكن من استكشافها بسبب ضيق الوقت أو صعوبة القراءة! أيضا في حالة الاستماع للكتاب بصوت المؤلف يقترب القارئ منه، حتى الوقفات ونبرة الصوت تعبّر عن المعاني الخفية التي أراد لها الوصول إلى قرائه. كمثال بسيط على المبادرات التي وجدت الفائدة في استخدام الكتب الصوتية كتقنية لدعم التعليم، في بريطانيا مؤسسة خيرية تطلق على نفسها ''التعلم الصوتي'' - ''Sound Learning'' توفر الكتب الصوتية بمختلف الأشكال للطلاب الذين يعانون من صعوبات في القراءة. وتدعو كلّ عام مزيدا من المتبرعين سواء للمشاركة بالمال أو بتسجيل وإيصال الكتب المختلفة للقراء ومساعدتهم على تجاوز حاجز الصعوبات. إلى جانب هذه الفوائد التي لا تحصى تظهر سلبيات - أو عوائق - أمام الاستفادة الكاملة من الكتب الصوتية من أهمها اللغة، إذ إننا نعاني من نقص وندرة الكتب الصوتية العربية. هذا النقص يأتي من عدة وجوه ليس من بينها افتقار دور النشر للقراء المؤهلين، بل ربما التكلفة المرتفعة أحيانا لإنتاج ملفات صوتية بجودة عالية أو غياب الاهتمام العام من القراء. من جهة أخرى، مشكلة صغيرة واجهتها خلال قراءتي الكتب الصوتية هي الاحتفاظ بالاقتباسات المهمة، فالكتب بنسختها الورقية يمكن التقاط الاقتباسات منها بسهولة إما بترك ملاحظة أو بنسخها كتابياً، أي في حالة الكتاب المسموع أنت بحاجة للتوقف وتسجيل الاقتباس أو العودة لتسجيله لاحقاً. مع وضع هذه المشكلات وغيرها موضع مقارنة مع الإيجابيات سنجد أنها مطبات صغيرة في طريق استمتاعنا بهذه التقنية الرائعة، ويجب ألا توقفنا!
إنشرها