دقت ساعة المرأة
منذ اللحظة التي تم فيها تعيين نائبة لوزير التربية والتعليم، إلى جانب السماح للمرأة بالحصول على بطاقة الأحوال المدنية وممارسة العمل الحر واستصدار سجل تجاري خاص بها، وكذا حلحلة معضلة تأنيث المحال النسائية، بات واضحاً أن توجهاً جديداً يتخلق لتفعيل دور المرأة للانخراط في صناعة التنمية وإدارتها.
وقد جاء قرارا خادم الحرمين الملك عبد الله بن عبد العزيز التاريخيان في افتتاحه للدورة الخامسة من السنة الثالثة لمجلس الشورى: بأن تشارك المرأة في عضوية صريحة في مجلس الشورى، وأن ترشح نفسها للمجالس البلدية وأن تنتخب المرشحين، إشارة مكثفة إلى رفض تهميش دور المرأة، كما قال الملك، وفي أن ساعة المرأة قد دقت باتجاه تمكينها للإسهام برؤيتها لتعميق وتوسيع أداء التنمية، ليس فيما يخصها، كما يُقال، وإنما أيضا فيما يخص شريكها الرجل لأن الحد الفاصل بين الاثنين مجازي وليس عضويا فكلاهما جناحان لا تحلق التنمية من دونهما فضلاً عن أن هذين القرارين يمثلان قيمة مضافة لمفهوم المواطنة نفسه.
وإذا كانت المرأة السعودية على موعد مع التاريخ فلست مع أولئك الكتاب والكاتبات ممن يهرعون إلى التاريخ، يستلون من خزائنه نماذج نسائية وقراءتها قراءة انتقائية على طريقة: ''وأثبتت المرأة'' – وكأن في ذلك شكا!! – في انحياز مزركش لتصعيد جدارة تحجب الإسفاف الذي تخبطت فيه المرأة كما تخبط الرجل، بل إن هذه القراءة الانتقائية المنحازة أنثويا للتاريخ مضللة خطيرة مثلها مثل الانحياز الرجولي.
الكاتبة نوال السعداوي واحدة ممن تطرفن بتعسف انفعالي في أن التاريخ امرأة وأن ''الأنثى هي الأصل'' كما هو عنوان أحد كتبها اتكاء على مركزية ''إيزيس''، ربة الخصب الأسطورية عند الفراعنة، كما أن الكاتبة المميزة فاطمة المرنيسي جازفت في قراءتها لجدارة المرأة، خصوصا في كتابها ''السلطانات المنسيات''، إذ على الرغم من جمال وأهمية هذه الأحفورة المعرفية فالحقيقة الموضوعية تظل في أن تلك السلطانات المستشهد بهن مجرد استثناءات تدلل فقط على براعة المرأة كشقيقها الرجل في الرأي والإبداع والقيادة، إنما لا يمكن معها إسباغ مفاهيم الحداثة على ماض لم يكن مستوى الوعي قد بلغ منجزاته الراهنة في الفكر والسلوك والمؤسسات.
إنه تجديف معاكس للمجرى الفعلي للتاريخ حتى وإن كانت تمركزت وحكمت وقادت وأبدعت فذاك لا يغير من الحقيقة الموضوعية شيئا وهي أن المرأة على النطاق الكوني ظلت على هامش التاريخ أو خارجه منذ بدأ تقسيم العمل واستغل الرجل خصائصه الفسيولوجية في السيطرة، إلى أن نالت بالكاد بعض حقوقها في مطلع القرن الماضي في الغرب الذي ثابر على حرف حقوقها الأخرى واستغلها ديكوراً غرائزياً واستهلاكياً في نخاسة جديدة خبيثة، ليس لجسدها فحسب وإنما لعقلها أيضا.
ويبقى أن مبادرة الملك إلى الإعلان عن هذين القرارين التاريخيين، لن تنزع الحرج فقط عن ''الشورى'' أمام اتحاد البرلمانات الدولي لعدم تمثيل المرأة فيه، بل ستضع ''الشورى'' المقبل أمام امتحان مفاعيل قدرته على تمكينها لاستثمار هذه المشاركة وضخ ديناميكية رؤيتها بالاستشارة والبحث والدراسة فيما يعرض على المجلس من برامج ومشاريع وقضايا التنمية أو الظواهر الاجتماعية، والأمر نفسه يمكن أن يُقال عن صدقية التعامل مع ترشحها لعضوية المجالس البلدية أو انتخابها لمرشحين، فالقراران يتطلبان شفاء من ذكورية مزمنة لا تزال تفسد الود بين مَن يغلو في مديح المرأة أماً وزوجة وأختا وابنة وقريبة لكنه، فيما عدا ذلك، يسقطها من حسابه أو ينتقص وزنها النوعي، إلا أنه حتى مع وجود أمثال هؤلاء أو غيرهم ممن يستدير بفرقعة صوتية 180 درجة عن موقفه السابق دون قناعة إلى موقف لاحق فالتجربة كفيلة بأن تصالح بين الصوت والقناعة، كما حدث مع تعليم المرأة قبل نصف قرن!!