درس من بلاد الإغريق

بلاد الإغريق، أو اليونان، هي الأشهر والأعظم حضارة وتمدنا في التاريخ القديم، استطاعت أن تمد نفوذها على مساحات شاسعة من الأرض، وصلت إلى أواسط قارة آسيا، كما كان علماؤها ومفكروها وفلاسفتها قادة للفكر في العالم، ثم مر بها ما مر بحضارات العالم التي سادت ثم بادت، تراجعت من إمبراطورية تمتد على ملايين الكيلومترات، لتنحصر في أرض مساحتها 132 ألف كيلومتر مربع، يسكنها 11.3 مليون نسمة فقط، ثم عانت من أزمات سياسية واقتصادية متعددة، جعلتها في مؤخرة ركب الدول الأوروبية، بل أصبحت كلاً على شركائها في الاتحاد الأوروبي.
بلاد الإغريق، أو اليونان، لا يمكن أن تطعم شعبها عبر اجترار التاريخ والحديث عن حضارتها، وما قدمه علماؤها للبشرية، فالشعوب حين تجوع تكره التاريخ، وتمقت كثرة التغني بأمجاده، وتبحث عن حديث من نوع آخر، مادته الرئيسة الاقتصاد الذي أصبح عامل حسم في حياة الناس، واتكاء الدول على حضاراتها وما قدمته للعالم قبل آلاف السنين، لن يسد رمق طفل جائع، ولن يغني أبا يبحث عن العيش الكريم له ولأسرته، ولن يوفر سقفا يؤوي مشردا.
اليونان في وضعها الحالي، دولة تبحث عمن ينقذها من أزماتها، ويحميها من الإفلاس، ودول الاتحاد الأوروبي تدرك أنه لا يمكن أن تتخلى عنها، لأسباب عديدة، منها أن إفلاسها سيؤثر في عديد من مؤسساتها تلك الدول المالية، كما سيؤثر في اقتصاد دول القارة ككل، وقد تتبع اليونان دولٌ أخرى، ترقب ما سيحدث لليونان.
اليونان، بلد الحضارة والحكمة، لها تجارب سابقة في الإخفاق، وكانت دول أوروبا تنتشلها في كل مرة تخفق فيها، أو تتعرض للمخاطر، ولو استعرضنا تاريخ اليونان خلال القرن الماضي فحسب، لوجدنا أن من عوامل بقاء اليونان كدولة مستقلة، وقوف دول أوروبا في وجه أي تهديد تتعرض له، وكأن قدر هذه الدول أن تحمل هم دولة هي الأعرق حضارة، دولة حضارتها لا تزال تمثل مصدر إشعاع للفكر العالمي، دولة أنجبت فيثاغورس وسقراط وأفلاطون وأرسطو وأبقراط وجالينوس، كما أنجبت قائدا عظيما هو الأسكندر المقدوني.
عالم اليوم ليس بحاجة إلى حضارة انقطع تأثيرها، بل بحاجة إلى رؤية أفراد يقودون المسيرة، فالنجاحات التي حققتها دول عديدة في الشرق والغرب قادها أفرادٌ ذوو رؤية واعية، وعزيمة صادقة.
عالمنا العربي موطن حضارات أخرى تمتد إلى آلاف السنين، لكنها حضارات لم يتجاوز تأثيرها الحاضر صفحات كتب التاريخ، وما نشهده في أجزاء عديدة من عالمنا العربي من إخفاقات متتابعة، وفشل ذريع، دليلٌ آخر على أن التغني بالحضارة والتاريخ لم يعد كافيا، إذا لم يُدعم باقتصاد مقرون بحُسن إدارة.
بلاد الإغريق، تغرق في ديونها، وكثيرٌ من دول عالمنا العربي غارقة في مشكلاتها، ورغم ذلك هناك من يعتقد أن التاريخ يعطيه تميزا على الآخرين.

المزيد من مقالات الرأي