هل تروي الشجرة يوميا؟

• لماذا منحنا الله نعمة المشاعر الإيجابية وما دورها في رحلة الحياة؟
• ما الذي ينشط هذه المشاعر وما الذي يعيقها؟
• ما سمات الذين يملكونها بوفرة وكيف يتمكن المرء من صناعة المزيد منها؟
يحتاج كل امرئ منا إلى أن يجد إجابات شافية عن الأسئلة السابقة حتى يتمكن من إدارة حياته بشكل أفضل، ولذلك فقد اهتم جميع الأنبياء والمصلحين الاجتماعيين والزعماء الروحيين بإرشاد أتباعهم بوسائل كثيرة تيسر لهم الوصول إلى هذه الحالة الشعورية، كما أدى الفهم الخاطئ لذلك لدى البعض الناس إلى وقوعهم في فخ استهلاك المتع والبحث عن أكثر عدد من الطرق المختصرة للسعادة مثل التسوق، إدمان مشاهدة التلفزيون، الوقوع في براثن المخدرات، الإفراط في الطعام والحلويات، الانخراط في علاقات ضارة، لاعتقادهم الوهمي بإمكانية الاعتماد على ذلك في تحصيل مشاعر السعادة والفرح والراحة.
إن استمرارهم في ذلك الاعتقاد سيؤدي إلى معاناتهم من الجوع الروحي رغم تمرغهم في بحبوحة العيش، وإلى تململهم من الزيف والتشاؤم وتبلد القلب، بسبب خلطهم بين مفاهيم الحياة الممتعة والحياة الطيبة، إذ يمكنك تحقيق بعض من عناصر الحياة الممتعة بامتلاك منزل كبير أو شراء سيارة أحدث موديل لكن الحياة الطيبة ليس لها علاقة بذلك إطلاقا.
تلك الحياة لا تتحقق إلا من خلال تأهيل داخلي وجهد صادق مستمر لتزكية الفضائل الإيجابية الذاتية والموجودة لدى كل فرد منا، فالبعض يرويها يوميا حتى كبرت أغصانها فاستظل مرتاحا في فيء مشاعرها، والبعض الآخر يختبئ بداخله الكثير من البذور الكامنة في انتظار قطرات ماء تستثير نموها وصدق الله تعالى "ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها" فالنفس البشرية تجمع بين صفات الجسد والروح، وجعلها الله قابلة للاتجاه نحو صفات كل منهما، ومعنى "دساها " أي طمر براعم الخير الداخلية.
وفي بحثه عن العوامل التي تنشط المشاعر الإيجابية في نفسية الفرد كلف الدكتور مارتن سليجمان رائد علم النفس الإيجابي طلابه بالقيام بنشاطين مختلفين أحدهما مسل للذات والآخر خيري لخدمة آخرين، وطلب منهم رصد مشاعرهم الداخلية المصاحبة لكل نشاط ومقارنة الشعورين ثم كتابة ذلك ومناقشته، ولقد كانت النتائج مثيرة جدا للتفكير والتعلم، فقد لاحظ جميع الطلبة خفوت توهجهم المصاحب للأنشطة المسلية كالخروج في نزهة مع الرفاق، أو مشاهدة فيلم ممتع أو تناول وجبة دسمة في مطعم شهير وذلك مقارنة بتأثرهم الانفعالي حيال أعمالهم الخيرية أو التطوعية، وأكد الجميع أن ممارسة النشاط الخيري قدم لهم مشاعر مشبعة بدرجة أعمق بكثير من الأنشطة الترفيهية. يقولون: إذا أردت أن تكون سعيدا لمدة ساعة اغف قليلا، لمدة يوم اذهب للصيد، لمدة شهر تزوج، لمدة عام احصل على ورثة عائلية، ولتكون سعيدا لبقية عمرك ساعد إنسانا مكروبا، وهذا ما أكده بحث الدكتور سليجمان إضافة إلى عشرات الأبحاث السابقة بأن قوة الشعور الإيجابي للمرء ترتكز على أن يحيا المرء حياة ذات مغزى، وكلما كان الهدف الذي تشغل به حياتك كبيرا يتجاوز حدود مخاوفك الشخصية وتأمين شهواتك زاد مغزى حياتك وازدادت وفرة المشاعر الإيجابية بداخلك.
السعادة الحقيقية بعيدة تماما عن المنافسة، ولا تتحقق إلا من خلال دفع نفسك لمستويات وجود أعلى وليس مقارنة نفسك مع الآخرين، وأن تستخدم نقاط قوتك ورحلة وجودك في خدمة هدف كبير ذي مغزى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي