تسرب الإشعاع النووي.. صراع البيئة والحياة (1)
لا يحبذ المتابع والمشاهد لوسائل الإعلام المرئية منها أو المسموعة الأخبار والتقارير التي تتحدث صراحة عن حوادث التسرب أو الانفجار لبعض المفاعلات النووية في مختلف دول العالم، وقد بدأ مسلسل الرعب لهذه الحوادث بعد بناء أول محطة في العالم لتوليد الطاقة الكهربائية باستخدام الانشطار النووي في الاتحاد السوفييتي، وهي حادثة تسرب الإشعاعات من المفاعل النووي في مدينة فنسا، وبعدها جاءت حادثة احتراق المفاعل النووي في تشرينوبل، وتابع الجميع خلال هذه السنة الميلادية الحالية كارثة التسرب الإشعاعي من محطة فوكوشيما شمال شرقي اليابان، وأخيرًا ''وأتمنى أن يكون أخيرًا'' الانفجار الذي حدث في موقع ماركول النووي في جنوب فرنسا دون حدوث أي تسرب إشعاعي.
الباحثون والمختصون يؤكدون أن هذه الإشعاعات المنبعثة من تسربات المفاعلات النووية يمكن لها أن تنتقل إلى مسافة كبيرة قد تصل في بعض الأحيان إلى آلاف الكيلومترات كما حصل مؤخرًا عند تسرب كميات كبيرة من الإشعاعات من محطة فوكوشيما اليابانية التي وصلت إلى شواطئ كندا الغربية، كما أن خطورة الإشعاعات التي تنطلق من كوارث المفاعلات النووية تكمن في أنها غير مرئية ولا يحس بها الإنسان، وخصوصا الذين يعيشون في مناطق بعيدة عن هذه الحوادث.
ويشهد العالم المعاصر مراجعة جادة لبعض البرامج والمشاريع والتجارب النووية الحالية والمستقبلية والمتمثلة في نوعية الأنشطة والبرامج الذرية والإشعاعية، موقع المفاعل النووي بالتزامن مع طبيعة وجيلوجية الأرض، حيث تتركز أهم المخاوف في هذا الخصوص في إمكانية حدوث ''الزلازل والأعطال الفنية وخصوصا في دورات التبريد''، الجدير بالذكر أنه بعد كارثة مفاعل فوكوشيما الياباني قررت دولة ألمانيا التي تمتلك 17 محطة طاقة نووية على سبيل المثال التخلي جديا وتدريجيا عن برنامجها النووي والتوجه إلى تطبيقات وبرامج الطاقة البديلة، كما قامت الحكومة السويسرية بتعليق إجراءات تجديد ثلاث محطات نووية.
ولكن السؤال الذي ينتظر الإجابة وينشد واقع التهيئة العملية للتعامل مع مخاطر وتداعيات مثل هذه الظاهرة هو ''هل هناك خطر يهدد دول العالم العربي ودول الخليج العربي من جراء وجود بعض المفاعلات والبرامج النووية بالقرب من جغرافية المنطقة''؟ كما هو الحال مثلاً في المفاعل النووي الإيراني ''بوشهر'' الذي تهدد مخاطره البيئية دول الخليج العربي، خصوصًا دولة الكويت والسعودية عند ملاحظة طبيعة اتجاه الرياح التي تهب على الخليج العربي من جهة الشرق إلى الغرب، حيث يمكن أن تصل تأثيراته الإشعاعية في غضون ساعات، وتقدر المسافة التي تفصله على حدود مياه الخليج العربي مع مدينة الجبيل الصناعية في المملكه نحو 230 كيلومترًا، وتكمن خطورة حدوث تسرب إشعاعي من هذا المفاعل إلى توافر بعض السلبيات المتمثلة في ضعف التجهيزات التقنية لهذا المفاعل، حيث سبق أن تعطلت أجهزة الحواسب الآلية للمفاعل من جراء إصابتها بفيروس ''ستاكس نت''، وكانت هناك خطورة إشعاعية وبيئية على المنطقة في حينها لو تم تشغيله، إضافة إلى نقص الخبرة والكفاءات التقنية داخل المفاعل، وكذلك المخاوف من حدوث زلازل تبعًا لطبيعة وجيولوجية موقع هذا المفاعل، كما حدث في عام 2002، وهنا يفرض واقع ''نوعية العناصر والمواد المشعة الخطرة المتوافرة مثل اليود المشع والسيزيوم، عامل سرعة واتجاه الرياح، وجود عواصف من الغبار، هطول الأمطار، ..) نفسه على درجة الخطورة والتأثر البيئي والصحي في المنطقة ودول الخليج بصفة خاصة.
ويمكن هنا لهامش الإجراءات الاحترازية والوقائية في العالم العربي ودول الخليج أن يزداد مساحة ليشمل بالإضافة إلى تناول الآلية العملية والعلمية لوسائل ومعطيات التخطيط الاستراتيجي العلمي والتقني المطلوب ـــ الأخذ في الحسبان ـــ تفعيل مفهوم وثقافة الوعي والمسؤولية للفرد والمجتمع في هذا الخصوص، وتشجيع وتدريب الكفاءات الوطنية المؤهلة في المنطقة للتعامل مع خطط الكوارث المحلية والدولية والمعاهدات والمواثيق العالمية، والتوسع في بناء مراكز الأبحاث والدراسات بما يضمن سلامة وأمن ورفاهية المواطن العربي ... ( يتبع).