المركز الوطني للقياس: حتى لا يكون مركز جباية!!

من المحزن جداً أنه حسب تقييم الاتجاهات الدولية في الرياضيات والعلوم TIMSS الذي تنشره اليونسكو كل أربع سنوات لطلاب الثاني متوسط (السنة الثامنة)، فازت سنغافورا بالمرتبة الأولى، أما المملكة العربية السعودية، فإن ترتيبها ما زال كما هو في سنة 2007 م لا يسبقها إلى ذيل القائمة إلا دولتان فقط!! السؤال المطروح: أين ذهبت جهود وبرامج التطوير والمواهب وغيرها من البرامج التي صُرفت عليها الأموال الطائلة؟
يزداد عجبك واستغرابك من هذا المستوى المتدني جدا للتعليم في المملكة في المعايير والمؤسسات الدولية، في نفس الوقت الذي تلاحظ فيه كيف أن معدلات الثانوية العامة في السعودية تصل إلى 100 في المائة في كل المواد، حيث لم تكن تلك الدرجات معروفة في الثمانينيات والتسعينيات الهجرية؟ لقد أصبحت تلك الدرجات المفخخة تشكل إحراجا للجامعات، حيث لوحظ أنه بعد دخول الطالب أو الطالبة للجامعة كيف أن مستواه العلمي ضعيف جداً، ولا توجد أي علاقة بين درجات الثانوية وأداء وتحصيل الطالب أو الطالبة الجامعي!!
أمام هذا الواقع الذي صار يتفاقم ويؤثر في مستوى التعليم الجامعي، إضافة إلى أن معدلات الثانوية لم تعد تحقق عدلا وتكافؤ فرص حقيقيا للطلاب في الدراسة الجامعية، قررت وزارة التعليم العالي إنشاء مركز وطني للقياس والتقويم، لتحديد مستوى الطالب والطالبة في تحليل المعلومات (اختبار القدرات) وكذلك مدى استيعابه للمواد التي درسها في مراحل التعليم العام (الاختبار التحصيلي). بعد تجربة ليست طويلة نسبياً، تبين أن الدرجات التي يحصل عليها الطالب في اختبارات القدرات أو التحصيلي تعبر عن واقع الطالب أو الطالبة الحقيقي، وهو ما تمت مشاهدته في أداء الطلاب والطالبات، وانخفاض نسب التسرب من التعليم الجامعي وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص في أكثر صوره عدلا. من الفوائد المهمة أيضا لتلك الاختبارات، هو زيادة حرص الطلاب والطالبات في فهم المواد وتنافس المدارس الحكومية والأهلية على أن يكون مستوى طلابها جيدا، ليستطيعوا تجاوز تلك الاختبارات، بعد أن صارت نتيجة الثانوية العامة جزءا من عملية تقييم شاملة.
يبقى تساؤل مهم جداً: من المسؤول عن تكاليف إعداد وتنفيذ الاختبارات التي يقوم بها المركز الوطني للقياس ويقدمها لمئات الألوف سنويا؟ المشكلة الأساسية أنه في أحد بنود إنشاء المركز الوطني للقياس والتقويم أنه يعتمد تشكيله اعتماداً كلياً على الرسوم التي تؤخذ من الطلاب والطالبات لتغطية تكاليف مراقبي الاختبارات وتحضيرها وإعدادها ودعم الأبحاث المتعلقة بها، وليست له ميزانية من الدولة. وعلى الرغم من أن المركز الوطني يتبع نظاما لوزارة التعليم العالي، إلا أن نسبة كبيرة من خدماته تتوجه لخدمة وزارة التربية والتعليم، فقد أخذ هو دور الوزارة السابق في مركزية الاختبارات (البكالوريا)، كما يعد أيضاً من أهم الأجهزة الحكومية التي طورت التعليم. لذا أليس من المناسب بل قد يكون من الواجب أن تخصص وزارة التربية والتعليم جزءا من المبالغ المخصصة لتطوير التعليم وهي كثيرة، واستثمارها لدعم المركز الوطني للقياس والتقويم؟!! وفي هذه الحالة يخف العبء المالي على المركز، فيمكن إعفاء بعض الطلاب من تلك الرسوم الخاصة بالاختبارات، و تكون رمزية لآخرين، خاصة أن هناك شكوى من غالبية المواطنين حول الرسوم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي