أثر الإيمان في العمل والإنتاج
الإنتاج ثمرة العمل، والعمل، بما هو جهد جسدي وذهني، جزء من الإيمان، قال تبارك وتعالى: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ)، فالإيمان، حافز ذاتي للعمل، إذ المؤمن بعقيدة الإسلام لا يُساق إلى العمل، بل يندفع إليه تلقائياً، لأنه يعلم أن سُنَّة الله الكونية لا تسمح لعاجز أو كسول أن يحقق آماله وطموحاته.
وتحقيق أي إنتاج، لا يمكن أن يكتمل ما لم يرتبط بالإيمان والعمل.. وما تخلُّف المشاريع الإنمائية، في بعض الدول، على الرغم من توافر التخطيط، وضخامة التمويل، وتعدد الوسائل، إلا بسبب افتقارها إلى ربط الإنتاج بهذين المحورين: الإيمان والعمل، فضاعت البلايين دون تحقيق الرقي لإنسانها والتقدم لمجتمعاتها!
وهذا ما يُبيّنه القرآن الكريم، حين يضع ضوابط مُحكمة تحُول دون الاصطدام بسُنن الله، فيربط الفشل بالعجز والكسل، ويُطالب المؤمن بأن يخشى الله في عمله فيتقنه، أي أن يربط بين الإيمان والعمل، فيبذل الجهد، وهو يستشعر مراقبة الله له، مستحضراً قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللهَ يُحِبُّ إِذا عَمِلَ أَحَدُكُم عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ" (الطبراني). والأعمال الفاضلة لا تقتصر على العبادات.. بل أيضاً للأعمال الدنيوية مكانتها، لا بل لها مساحة في الشرع أكبر! خاصة، أن الدنيا مزرعة لعمل المؤمن يحصد ثمارها في الآخرة، فيراقب نفسه ويؤدي الأمانة ويُخلص، مراعياً حقه وحق أهله ومجتمعه، لا بل وأمته.
واللافت للنظر، في تأثير الإيمان في الإنتاج، أن الإسلام ربط مستوى الإنتاج باستقامة الفرد! قال الحسن البصري: "إن المؤمن أحسَنَ الظنَّ بربه فأحسَنَ العمل، وإن الفاجر أساء الظن بربه فأساء العمل" (ابن قيّم الجوزية)، إذ إن الاستقامة الإيمانية تعني استعمال الطاقات البشرية في العمل فيما يُرضي الله، لصالح النفس والمجتمع والأمة، لأن المؤمن يُدرك أن الطاقات التي يبددها العابثون والمستهترون والفاسدون، هي طاقات مهدرة تضرّ بحياة الأمة، لا بل بالبشرية جمعاء، لأنها، كما تُبيّن الدراسات، تفوقُ الطاقات التي تبددها الحروب أو الأوبئة..! من هنا ترتكز الاستقامة، التي تُؤثِّر في قيمة الإنتاج، على الإيمان بما جاء في القرآن الكريم والسُنَّة المطهرة، وسيرة الخلفاء الراشدين - رضي الله عنهم - ومن تبعهم من الصالحين..
ويظهر أثر الإيمان في العمل والإنتاج جلياً على النفس، فتستبشر، وتطمئن وتسكن راضية بنِعم الله عليها، وتسارع إلى خدمة المجتمع، معطية ما بداخلها من إخلاص وقناعة، وتفان في سبيل الارتقاء بالإنتاج.. بعكس النفس الشاردة الحاقدة المضطربة، التي قلّما يُحسن صاحبها عملاً يوكل إليه، أو ينتج إنتاجاً مرضياً.
كذلك، للإيمان أثر في العمل والإنتاج من ناحية الوقت، فالمؤمن يستشعر قيمة الوقت، لإيمانه بأن الله سيسأله يوم القيامة "عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ" (البخاري)، فالوقت هو رأسمال المؤمن، الذي ينبغي أن ينتفع به ولا يهدره إلا فيما يرضي الله، لينعكس ذلك على الإنتاج، ونقصد هنا بالإنتاج: سائر مستويات حياة الفرد العامل، الخاصة والعامة، الدنيوية والأخروية، إذ المؤمن ينظر إلى الوقت كحاضر ومستقبل، مركزاً على المستقبل في تطلعاته حتى يكون يومه خيراً من أمسه، وغده خيراً من يومه، فيحرص على أن يكون إنتاجه نافعاً مُثمراً ينتفع به، هو، والمجتمع ككل، اليوم وغداً.. وهذا ما جعل أحد أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يغرس شجرة الجوز، وهو في المرحلة الأخيرة من رحلة الحياة، فيقول له البعض: أتغرس هذه الشجرة وأنت شيخ كبير ولن تُثمر في حياتك؟ فيجيبهم: وماذا عليّ أن يكون لي من ثوابها ولغيري ثمرتها؟ وهذا، تحقيقاً، واتباعاً، لقوله – صلى الله عليه وسلم: "إِن قَامَت السَّاعَةُ وفي ِيَد أَحَدِكم فَسيلَةٌ، فإِن استَطاعَ أَن لا يقُومَ حَتَّى يَغرسها؛ فَلْيغرِسها" (أحمد)، وهذا الحديث يُحمَل على الإطلاق من الخيرات والأعمال الصالحة، لتبقى الأرض عامرة إلى آخر أمدها..
عزيزي القارئ، كما أنتجَ غيرك فانتفعت به، أنتج أنت لمن يجيء بعدك لينتفع، وإن لم يبق من الدنيا إلا الوقت اليسير، فتكون عاملاً من عُمال الله قبل أن تكون عاملاً من عُمال خلق الله.
وأعلم أن الإنتاج، أياً كان، جسدياً أو فكرياً، بغير إيمان، كريشة في مهب الريح لا تستقر.. وأن العمل، أيّ عمل، بغير إيمان، إنتاج بلا بركة وإن انتفع به صاحبه!