وقف الموسى بصمة في الأرض .. وأخرى في السماء
لو كنت من سكان مدينة الرياض فإنك في الأغلب قد سمعت باسم "الموسى" كأحد أبرز وأقدم تجار العقار. فقد وفق الله - سبحانه وتعالى - الشيخين سعد وعبد العزيز الموسى لامتلاك ثروة عقارية تكونت بكثير من الجهد والصبر والتضحية، وتكون مع هذه الثروة بشكل مواز سمعة حسنة عن هذين الشيخين في المجتمع المحلي. لكن تلك السمعة تجاوزت حدود المال والعقار إلى ساحة أخرى، أفضل وأبقى وهي ساحة الصدقة والإحسان. ومع أن تاريخ الإحسان مع الشيخين كان قديماً إلا أنهما توجا نشاطهما الخيري أخيراً بوقف جزء من ثروتهما على أعمال الخير والمعروف، وبعد أن كانا ينافسان في المربعات والأمتار أصبحا الآن ينافسان في الخير والإحسان. ولأنهما التاجران الخبيران بمفاتيح نجاح أي عمل ومفاصل استمراريته فقد أنشأ إدارة مستقلة لتدبير شؤون هذا الوقف المبارك، استقطبا من أجلها أفضل الخبرات الإدارية المؤهلة في القطاع الخيري.
المتتبع لأنشطة وقف الشيخين سعد وعبد العزيز الموسى - أمد الله في عمريهما على طاعته - وهي كثيرة ومتنوعة، يلمح البعد النوعي فيها واضحا بجلاء كيف تجاوزت إدارة هذا الوقف المبارك الممارسة التقليدية في العمل الخيري السائدة بين محبي الخير والإحسان، إلى ممارسة خيرية نوعية تطبع أثراً عمقياً وبعيداً في البيئة التي تقام فيها. عقد جميل من الأعمال الخيرية النوعية، نعِم بنفعها كثير من المستفيدين في ربوع هذا الوطن العريض، فثمة محطات لتحلية المياه، وبرامج لتأصيل العلوم والمعارف الحديثة، وبناء دور للأيتام، وبرامج لتأهيل وتهيئة المقبلين على الزواج، ودعم سخي للقرآن الكريم.. وغيرها كثير. مُنح الوقف على أثرها جائزة الأمير محمد بن فهد لأعمال البر. آخر هذه البرامج النوعية وأحدثها هو برنامج "تطوع" الذي يقام لأول مرة - في حدود معرفتي - على مستوى السعودية، وهو برنامج يهدف إلى إنشاء حلقة وصل بين المتطوعين والجمعيات الخيرية بطريقة احترافية، وذلك من خلال استقطاب المتطوعين وفقاً لمهاراتهم وميولهم، ثم توجيههم إلى الجمعيات الخيرية المناسبة التي يعمل المشروع ذاته على تطويرها وتهيئتها لاستثمار جهود الراغبين في التطوع. لقد استطاع برنامج تطوع حتى الآن استقطاب قرابة ألفي راغب في التطوع، وهو مشروع إن كتب الله له الاستمرار والتطور سيحقق نتائج رائعة في استثمار الرغبة المتزايدة لدى فئة الشباب في التطوع وتوظيفها في تقوية وإثراء عمل الجمعيات الخيرية المشاركة في البرنامج.
علينا أن نتأمل كثيراً في سيرة التجار الأخيار من أمثال الشيخين سعد وعبد العزيز الموسى - حفظهما الله - تلك السيرة التي يستثمر فيها التاجر خبرته في إدارة الأعمال التجارية لإدارة الأعمال الخيرية، سيرة تشيّد من عقارات الأرض عقارات من الحسنات في السماء، سيرة تفضل الانتقال من العمل الخيري العفوي إلى العمل الخيري المنظم إدراكاً بأن الأخير أكثر أجراً ونفعاً وأثراً.