Author

قوة شرائية عالية للخليجيين في صيف بريطانيا

|
بدأت كتابة هذا المقال في شارع (أيجور رود) الشهير في لندن، الذي يتميز بقدرته على استقطاب عدد لافت من رعايا دول مجلس التعاون الخليجي على مدار السنة وخصوصا في فصل الصيف. وتأكيدا لمعادلة العرض والطلب ترتفع أسعار الإيجارات في موسم الصيف، حيث يصبح سعر ألفي دولار في الأسبوع للشقق السكنية أمرا غير مستغرب. وليس المطلوب من المؤسسات التجارية بذل جهود مضنية للترويج لمنتجاتها خلال الصيف، نظرا لوجود الطلب، فضلا عما يتميز به الفرد الخليجي من رغبة واستعداد، بل يمكن الزعم أن كل شيء تقريبا قابل للبيع في هذه المنطقة. ويسهم الوجود الخليجي في تحقيق جانب من الأهداف الاستراتيجية للاقتصاد البريطاني وتحديدا جلب أموال من الخارج، وبالتالي تعزيز عجلة الدوران الاقتصادي في البلاد. نفقات ضخمة طبعا الحديث عن مبالغ كبيرة نسبيا وبالأخص في مجال التسوق، فحسب وسائل الإعلام البريطانية، يزيد متوسط نفقات الخليجي في آب (أغسطس) على ثلاثة آلاف جنيه إنجليزي أو نحو 4800 دولار. واستنادا لرقم يعود لنحو ثلاث سنوات، تزيد قيمة نفقات رعايا دول مجلس التعاون الخليجي على 1.5 مليار دولار سنويا فيما يخص التسوق دونما الأمور الأخرى. اللافت في الأمر هو أن نسبة من هذه المصروفات تنصب في مصلحة الاقتصاد القطري، وذلك على خلفية الاستثمارات النوعية للمارد الخليجي. ينمو الاقتصاد القطري بنحو 18 في المائة سنويا، وذلك حسب آخر إحصاءات صندوق النقد الدولي. من جملة الأمور المثيرة، استحوذت شركة قطر القابضة في عام 2010 على ملكية متاجر هارودز الشهيرة في العاصمة البريطانية، التي يرتادها 15 مليون فرد سنويا بمبلغ قدره 2.2 مليار دولار. تعد شركة قطر القابضة بمثابة الذراع الاستثمارية لهيئة قطر للاستثمار التي بدورها تدير الأصول التابعة للدولة. إضافة إلى ذلك، تعد قطر المستثمر الأبرز في شركة سالزبري العاملة في مجال البيع بالتجزئة وهي من المحال التي يرتادها السياح. كما تعد قطر أكبر مستثمر في شركة سونع بيرد إيستس، التي بدورها تمتلك المنطقة التجارية في ''كاناري وولف'' في لندن. الأمثلة المشار إليها لا تمثل جميع الاستثمارات القطرية في بريطانيا كونها تشمل عديدا من القطاعات. استقطاب الأموال تعد الاستثمارات القطرية بمثابة دليل دامغ على قدرة بريطانيا على استقطاب استثمارات من مختلف بقاع العالم. وحسب تقرير الاستثمار الدولي لعام 2010 ومصدره مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية والمعروف اختصار باسم ''أونكتاد''، استقطبت بريطانيا استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 46 مليار دولار في 2009. وهذا يعني حلول بريطانيا في المرتبة الخامسة في العالم بعد كل من الولايات المتحدة، الصين، فرنسا، وهونج كونج بالنسبة لما يخص قيمة الاستثمارات الأجنبية الواردة في عام 2009. من جهة أخرى، وحسب التقرير نفسه، فقد حلت بريطانيا في المرتبة الثالثة بعد كل من الولايات المتحدة وفرنسا بالنسبة لحجم فرنسا بالنسبة للحجم التراكمي للاستثمارات الأجنبية في البلاد وتحديدا 1125 مليار دولار. يعد هذا الرقم قريبا من الرقم المنسوب لفرنسا وقدره 1133 مليار دولار. تعود قدرة بريطانيا على استقطاب استثمارات أجنبية لأسباب تشمل وجود قوانين توفر سبل الأمان للمستثمرين. تنوع ثقافي تتطلب القدرة على استقطاب الزوار بشكل دائم احترام ثقافة الآخرين وتسهيل ممارستها. وفي هذا الصدد، تتميز بريطانيا بالتنوع الثقافي، بل تحمل مختلف الثقافات الأخرى بدرجة أفضل من دول أوروبية أخرى مثل فرنسا. فلا يوجد حديث في بريطانيا حول منع النقاب أو فرض قيود على الحجاب. ففي خضم الحديث عن جدلية النقاب في فرنسا، أكد لي دبلوماسي بريطاني أن بريطانيا ترى في التنوع الثقافي ميزة تنافسية، وعليه لن تضع قيودا على الحريات الفردية في ممارسة الطقوس الدينية. وفي هذا العام، ذهبت السلطات المحلية لإبداء تقديرها للفن العربي، بدليل إطلاق مهرجان ''شباك حول الفن العربي'' في الفترة ما بين الرابع حتى 24 تموز (يوليو) الجاري برعاية رئيس بلدية لندن بورس جونسون. أما وسائل الترفيه الاعتيادية فحدث ولا حرج، إذ يحيي عديد من المطربين حفلات خاصة خلال موسم الصيف. كما يوفر عديد من المحال التجارية نسخا من الصحف الخليجية؛ ما يعني عدم الانقطاع عن الأخبار المحلية. كما أن الاستعدادات جارية على قدم وساق لاستقبال شهر رمضان المبارك؛ بما في ذلك متطلبات هذا الشهر الكريم من أمور روحية ومادية. وقد سألت أفرادا ينتمون لثقافات متنوعة حول طبيعة شهر رمضان في لندن، وكان الرد بأنهم لا يحسون بالغربة رغم بعدهم عن أوطانهم بسبب توافر كل ما له علاقة بالشهر الفضيل. ختاما، تتميز بريطانيا بقدرتها على استقطاب الزوار والاستثمارات من دول مجلس التعاون الخليجي والمحافظة على هذه الصفات الإيجابية، بل يسهم الوجود الخليجي في تعزيز الرفاهية أو مستوى المعيشة خلال الصيف، نظرا لاستعداد عدد كبير من المحال التجارية لفتح أبوابها لساعات مطولة نظرا لوجود الطلب. باختصار، في صيف بريطانيا الاقتصاد الوطني هو الرابح الأكبر.
إنشرها