Author

تداعيات عدم انتهاء جولة الدوحة

|
تضمنت ورقة العمل التي أعددناها لمؤتمر مركز الخليج للأبحاث في جامعة كمبردج في بريطانيا التداعيات السلبية لعدم حصول نهاية سعيدة لجولة الدوحة. مؤتمر هذا العام الذي بدأ بتاريخ 6 تموز (يوليو) هو الثاني من نوعه، وجاء تتويجا لنجاح النسخة الأولى منه في صيف 2010. بالعودة للوراء، انطلقت جولة الدوحة في نهاية 2001 وتحديدا بعد أسابيع من العمليات الإرهابية التي ضربت الولايات المتحدة. وكان هناك توقع بأن تسهم الجولة في تعزيز التجارة بين الدول الأعضاء في منظمة التجارة الدولية على حساب ظاهرة الإرهاب، لكن لم يحدث أي إنجاز. كما سنحت فرصة أخرى لتحقيق اختراق في نهاية 2008 بعد الكشف عن الأزمة المالية العالمية، وبالتالي المساهمة في القضاء على تداعيات هذه المعضلة والدفع بالاقتصاد العالمي نحو آفاق جديدة. نقاط الخلاف حقيقة القول، تتركز نقاط الخلاف بين التكتلات الرئيسة في المفاوضات حول الدعم الأمريكي والأوروبي للقطاع الزراعي من جهة، والتعريفات التي تفرضها بعض الاقتصادات الصاعدة على الواردات الزراعية من جهة أخرى. تقدم الولايات المتحدة شتى أنواع الدعم لمزارعيها تشمل ضمانات شراء من الحكومة الفيدرالية فضلا عن التسهيلات الائتمانية المقدمة من بنك الصادرات والواردات الأمريكي للدول الراغبة في شراء المنتجات الزراعية الأمريكية. يمثل الدعم الأمريكي خسارة للدول النامية حيث تحرمها من فرص تطوير القطاع الزراعي في بلدانها نظرا لوجود البديل الأمريكي، الذي بدوره يعتمد على أحدث وسائل التقنية وشروط الصحة، فضلا عن التسهيلات الائتمانية الممنوحة للدول الراغبة في الاستيراد من الولايات المتحدة. بدورها تطالب الولايات المتحدة بالحد من الضرائب المفروضة على الواردات الزراعية أمام منتجاتها، أو ما تسميه حق الوصول للأسواق الأخرى، خصوصا للاقتصادات الصاعدة مثل الهند والبرازيل. تفرض بعض الدول النامية الكبيرة ضرائب على الواردات الزراعية تصل إلى نحو 65 في المائة بحجة حماية منتجاتها الزراعية المحلية من المنافسة الأجنبية المدعومة، فضلا عن ضمان إيرادات للخزانة العامة. الاتفاقيات الثنائية يمثل شبه انهيار مفاوضات جولة الدوحة المتعددة الأطراف خسارة للدول النامية، ومنها دول مجلس التعاون الخليجي لأنها ستدفع باتجاه إبرام مزيد من الاتفاقيات الثنائية والإقليمية. تحصل الاقتصادات الرئيسة في العالم مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان بموجب الاتفاقيات الثنائية على فرص لفرض شروطها، وذلك استنادا إلى قوة اقتصادها. يعد الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي الأكبر في العالم على الإطلاق لكن تعتبر مجموعة الاتحاد الأوروبي التي تضم 27 بلدا أكبر تكتل اقتصادي في العالم. فيما يخص سلبيات الاتفاقيات الثنائية، فقد وافقت البحرين على الشروط الأمريكية بخصوص الملكية الفكرية كشرط لدخول اتفاق التجارة المبرم بين الطرفين حيز التنفيذ في آب (أغسطس) من عام 2006. وعمدت السلطات البحرينية إلى تعديل واستصدار ثمانية قوانين تتعلق بأمور مثل حقوق المؤلف والعلامات التجارية نزولا عند رغبة واشنطن. بدورها، وافقت عمان على الشروط الأمريكية للحصول على موافقة الكونجرس للتصديق على اتفاقية التجارة الحرة في صيف 2006. وشملت المطالبات منح العمالة الوافدة حقوقا وامتيازات، منها فرصة تبديل الكفيل. التوجهات الخليجية تضم المنظمة 150 عضوا، بينها جميع دول مجلس التعاون الخليجي بلا استثناء. وكانت المملكة قد بذلت جهودا مضنية للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، حيث اتخذت سلسلة إجراءات لغرض الحصول على العضوية بما فيها تحرير عديد من القطاعات أمام المنافسة الأجنبية، خصوصا قطاع الخدمات المالية. أصبحت السعودية عضوا في عام 2005، أملا منها في الحصول على مزايا اقتصادية من العضوية في المنظمة الدولية. في ظل ما أشرنا أعلاه، لا يمكن توجيه اللوم لدول مجلس التعاون لإبرام اتفاقيات تجارية حفاظا على مصالحها في ظل توجه الدول الأخرى لأخذ زمام المبادرة بالدخول في اتفاقيات ثنائية وإقليمية. ودشنت دول مجلس التعاون الخليجي إبرام اتفاقيات للتجارة الحرة مع مختلف الأطراف الدولية بدءا مع سنغافورة في نهاية عام 2008 مرورا مع رابطة التجارة الحرة الأوروبية المعروفة اختصارا باسم إيفتا. تهدف الاتفاقية مع رابطة إيفتا، وهي الأولى من نوعها لدول مجلس التعاون مع أي تكتل اقتصادي، إلى تحرير التبادل التجاري وتكامل الأسواق، وتغطي تجارة السلع والخدمات والمنافسة وحماية حقوق الملكية الفكرية والمشتريات الحكومية وآليات تسوية المنازعات. وفي كل الأحوال، تبعث قضية تعثر مفاوضات جولة الدوحة برسالة سلبية فيما يخص عدم قدرة الدول الرئيسة على وضع خلافاتها على طرف، وتحمل مسؤولياتها الدولية بوضع نهاية سعيدة لجولة الدوحة. المطلوب من الدول الغربية تعاون أممي لحل بعض القضايا المستعصية التي تظهر بين الحين والآخر مثل معضلة الغذاء. في دعم القطاع الزراعي لأسباب سياسية، خصوصا أصوات المزارعين عند صناديق الاقتراع. في المقابل، المطلوب من الاقتصادات الصاعدة تحمل مسؤولياتها وعدم اعتبار نفسها دولا نامية وفي حاجة إلى حماية بعض القطاعات الاقتصادية لأن السياسات الحمائية غير قابلة للاستمرار ومبعثرة للثروات المحدودة.
إنشرها