المساواة الاجتماعية في السويد وبلدان الخليج العربي

المساواة مفهوم اجتماعي قد نختلف في تفسيره، فما يراه العربي أنه جزء من المساواة والعدالة قد يراه الغربي جزءاً من الظلم الاجتماعي. اختلاف المفاهيم في أمور ذات علاقة مباشرة بحياتنا على هذه الأرض غالباً ما يؤدي إلى صراعات مريرة وظلم اجتماعي غير مقبول.
والعرب والمسلمون يستقون مفاهيم المساواة والعدالة من كتابهم العزيز وسنة رسولهم الكريم. وقد شرحنا بإسهاب في هذا العمود أن النصوص المقدسة حمالة أوجه كثيرة وهذه الأوجه مرتبطة بالزمان والمكان. النص المقدس لا يتبدل تبديلا. التفسير بشري والبشر هم الذين يتبدلون ومعهم تفاسيرهم.
إذاً كيف لنا الفرق بين الظلم والعدالة والمساواة والتميُّز في غياب معايير محددة لن نعلم إن كنا، ومعنا المجتمع الذي نعيش فيه، نئن تحت نير الظلم والتميُّز أو نتمتع بالعدالة والمساواة؟ وإن كنا لا ندري ــــ أي لا نملك بعض المعايير التي تدلنا على الظلم والعدالة والمساواة والتميُّز ـــــ سنبقى كما نحن لا حول ولا قوة لنا. القوة والحول الذي من حقنا استخدامه تصادره السلطة وتوظفه لخدمة مشاريعها التي غالبا لا علاقة لها بمبادئ العدالة والمساواة.
في السويد يُلقن التلميذ في المدرسة بعض المعايير التي تدل على العدل والمساواة ويكتسب التلميذ بعض المعارف النظرية والعملية التي تمكنه من رفع صوته شاكياً إن تيقن أن هناك شرخا في تطبيق العدل والمساواة. ويصل الأمر أحيانا إلى أن يقف التلميذ في وجه والديه رافضاً القيام بعمل ما ومستنداً في ذلك إلى ما تعلمه في المدرسة.
فمثلاً يلقن التلاميذ التبليغ عن أي انتهاك للعدالة والمساواة الاجتماعية في البيت. فإذا حدث وأن ضرب الزوج زوجته قد يكون التلميذ أول مَن يبلغ السلطات عن ذلك. الضرب بكل أشكاله محرّم في السويد، ولا سيما ضرب الزوجات والأولاد. وكثيراً ما يحدث أن يبلغ الطفل مدير أو مديرة المدرسة أو حتى الشرطة إن تمت معاقبته بالضرب من قبل أي من والديه.
الاعتداء بالضرب من الظلم الفاضح والظاهر، ولكن ما هو أخطر من هذا الظلم هو الظلم الباطني الذي قد لا تستطيع تشخيصه لأن أثره يبدو غير مباشر على المرء، ولكنه مضر أكثر من الضرب الفعلي.
يدرب التلاميذ في السويد من خلال مناهج علمية واجتماعية رصينة وهيئة تعليمية منتقاة، على كشف الظلم الباطني من خلال تربية جيل له مقدرة على النقد وإثارة أسئلة حساسة ومهمة حول كل ما ينتهك مبادئ العدل والمساواة. وهكذا نرى أن السويدي يثير أسئلة كثيرة أغلبها تبدأ بماذا وكيف؟ وإثارة الأسئلة ليست كافية. من حق الفرد السويدي ليس فقط إثارة السؤال، بل له الحق في الإجابة من صاحب الشأن والسلطة الذي يرى أن واحداً من واجباته الأساسية هو إحقاق العدل والمساواة.
والإجابة عن أسئلة المواطنين مهما كثرت ومهما صعبت واحدة من قيم الحكم والسلطة الأساسية في السويد. وهكذا ترى أن كل المسؤولين في هذا البلد من معلمين ومدرسين وموظفين على المستويين المحلي والمركزي والدوائر الرسمية وغيرها، ولا سيما الوزارات والمسؤولين في الوزارات والوزراء ورئيس الوزراء، يضعون عناوينهم الإلكترونية وهواتفهم وكيفية الاتصال بهم خارج أوقات العمل على الشبكة العنكبوتية "الإنترنت".
وكلما ارتقى المرء في سلم المسؤولية والوظيفة في السويد، ازدادت شفافيته. الوزير ورئيس الوزراء يكشف عن راتبه ومخصصاته ويبرهن للشعب أنه أتى للحكم كي يخدمهم ويجاوب عن أسئلتهم، وإن أخطأ فهو الذي يبادر بالاستقالة "ترك العمل" قبل إجباره على ذلك.
وهكذا ينمو حس نقدي لدى المجتمع أساسه الحق في إثارة أسئلة محددة والحق في تسلُّم أجوبة منطقية وقانونية عليها. فلا تستغرب ــ عزيزي القارئ ــ إن رأيت الكثير من السويديين معارضين للظلم الذي يلحق بالفلسطينيين من العرب أنفسهم، ولا تستغرب أن ترى المسلمين في السويد وبقية الأعراق والأجناس والديانات تلقى من العدالة والمساواة ما لا تلقاه في أي بلد غربي آخر أو لم تتمتع به في بلدانها الأصلية.
وأخيراً، كانت الهجمة النقدية التي أثارها السويديون ضد بعض المتطرفين من مواطنيهم عندما حاولوا معارضة بناء جامع كبير في إحدى المدن السويدية؛ استند هؤلاء إلى مفهوم العدالة الاجتماعية والمساواة في إثارة أسئلتهم، واستند المسؤولون إلى المفاهيم ذاتها في أجوبتهم. وتحول المتطرفون إلى أضحوكة. وانبرت الكنيسة السويدية (الكنيسة السويدية لوثرية وليست كاثوليكية) مطلقة لمبادرة ما أحوج العالم إليها.. وضعت يدها في يد إمام عربي مسلم وعقدوا العزم على بناء جامع وكنيسة بجانب بعضهما، كما كان الحال في فلسطين قبل اغتصابها من الصهاينة، وكما كان الحال في العراق قبل غزوه من قبل الأشرار، وكما هو الحال في الشام الآن (أي حتى كتابة هذه السطور).
مفهوم المساواة والعدالة السويدية مفهوم واسع لا يستوعبه مقال أو مقالان، وأعد قرائي الأعزاء بالعودة إليه في القريب العاجل.
وإلى اللقاء،،،

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي