حلاقون وزكاة واستثمار
في العام الماضي كان إيراد مصلحة الزكاة والدخل 16.1 مليار ريال، فيما بلغ هذا العام 16.5 مليار. وفي الحالتين الرقمان يعكسان حراكاً اقتصادياً عفياً رغم أن واقع السوق وما يبدو فيه من منشآت صغيرة أو متوسطة أو كبرى يفترض إيراداً أكبر حجماً مما هو في سداد المصلحة.
غير أن اللافت في إيراد المصلحة - كما جاء في تصريح مدير عام المصلحة ("الاقتصادية" 3/7/2011) - كون البقالات والحلاقين يشكلون بجانب الشركات الكبرى أغلبية دافعي الزكاة والضريبة، وهو وضع له دلالته من حيث نوعية الاستثمار أو الأنشطة التجارية التي تقول المشاهدات المباشرة والمعاينات الحية إن أغلبية من يتولون العمل هم عمالة وافدة، ما يعني أن هذه المنشآت الصغيرة رغم أنها مكون له ثقله الكبير في إيرادات مصلحة الزكاة والدخل، تمثل أيضاً تشوهاً في بنية اقتصادنا الوطني وفي عمقه لأنها من ناحية تشكل مصدرا لحجم هائل من الأموال المحولة للخارج، ومن ناحية ثانية شللا لقطاع أو إزاحة لأغلبيته عن السعودة، ومن ناحية ثالثة - وهو الأهم - تدنيا في نوعية النشاط الاستثماري أو هامشية نسبة كبيرة من منشآت القطاع الخاص (!!).
إن تجاور شركات كبيرة إلى جانب البقالات والحلاقين ليشكلا معا مكونا غالبا في إيرادات المصلحة يطرح السؤال عن أعداد وأنواع وأحجام وأوزان المنشآت الاستثمارية أو التجارية الأخرى التي تقع في المسافة بين الشركات الكبرى والحلاقين والبقالات، لأن طغيان البقالات والحلاقين يجعلنا نقلق حقاً على ألوان طيف الاستثمار.. فنحن لا نعرف بالضبط ماهيته ومقدار مشاركته، ليس فقط في إيرادات المصلحة، وإنما مدى إسهامه في الحراك الاقتصادي الوطني.
إن من المؤكد أن لا شأن لمصلحة الزكاة والدخل بتحديد نوع وحجم ووزن الأنشطة الاستثمارية، غير أن ما جاء في التصريح المشار إليه عن أغلبية مكلفي المصلحة في العدد الإجمالي لهذا العام 450 ألفا، يفتح التساؤل عن أسباب غياب أو ندرة أو قلة الأنواع والأحجام والأوزان الاستثمارية الأخرى؟! الهيئة العامة للاستثمار معنية ومسؤولة أكثر من غيرها عن هذا التشوّه في البنية الاستثمارية الوطنية وغلبة النشاط الاقتصادي الهزيل غير القادر على تقديم أي قيمة مضافة، كما أن وزارة التجارة معنية هي الأخرى بالأمر.
إن ما أسفر عنه الوعاء الزكوي لمصلحة الزكاة والدخل، مطلوب تفكيكه وتحليله اقتصاديا من أجل تعليله في ضوء الواقع وبيانات تراخيص الاستثمار والسجل التجاري .. ولا بد من الدراسة والتمحيص من قبل الهيئة العامة للاستثمار ووزارة التجارة كمسؤولتين رسميتين، وأن تبادر إلى جانبهما الغرف التجارية الصناعية، وكذلك الجامعات ومراكز البحوث العامة أو الخاصة. فما جاء في التصريح عن مكون الوعاء الزكوي لا يقف عند حد إيضاح منجز المصلحة - وهذا حقها - لكنه يقرع ناقوس فتح ملف الاستثمار في بلادنا وواقع القطاع الخاص نوعاً وحجما ووزنا .. لأن من شأن ذلك تشخيص حراكنا الاستثماري لتعظيم وتمتين اقتصادنا وسعودته، إذ إن تضخم رقم الإيرادات ليس هو المعيار لاقتصاد نشط وإنما نوعية وأوزان وأحجام المدخلات وما تشكله من قيمة مضافة.. فأي قيمة مضافة لحلاقين وبقالات في اقتصاد يرفع راية التنافسية؟!