مراكز كشف وبحث وعلاج مبكر خير من مدن صحية تقوم بعلاج متأخر

التطور الاقتصادي والعلمي والتخطيط الاستراتيجي لجميع المجتمعات ينعكس مباشرة على الخدمات الصحية المقدمة وتطورها، وهذا ينطبق على المملكة العربية السعودية، حيث نمت وتطورت الخدمات والتعليم الصحي بشكل كبير خلال العقود الماضية، وفي الوقت نفسه زاد عدد طالبي الخدمة وتشعبت مساراتها وتحدياتها. هذا يتضح أكثر في الحاجة الملحة لزيادة الخدمات الطبية المتطورة وزيادة عدد مقدمي الخدمة مع الطلب الشعبي العالي لزيادة الجودة مع سرعة الخدمة. إلى الآن استطاع القطاع الصحي توفير عديد من المدن الصحية والمستشفيات في جميع المناطق ومعظم المدن حتى الصغيرة منها.
ومع هذا كله، الطلب في ازدياد والرضا العام منخفض لدى عموم المواطنين لمن يتابع التعليقات على ما ينشر في الصحافة المحلية، وعلى العكس، سمعة القطاع الصحي في الصحافة الخارجية، حيث النظرة من الخارج للداخل من قبل مواطني وصحافة الدول الأخرى على أن السعودية تعتبر من الدول المتقدمة صحيا مقارنة بالدول المجاورة، وهذا صحيح إذا ما نظرنا إلى التطور السريع في القطاع الصحي السعودي.
وتاريخيا، بعد أن من الله علينا ورزق الله هذه البلاد بقيادة حكيمة بدأها المؤسس الملك عبد العزيز - رحمه الله - ثم أبناؤه من بعده، بدءا ببناء القطاع الصحي من الصفر، حيث لم يوجد أي خدمات تذكر، إلى ما نحن عليه الآن. مع هذا، الحاجة في ازدياد، مع أن النظام الصحي القائم يقدم خدمات علاجية ممتازة متى ما تمكن المريض من الوصول إليها. أيضا من اللازم أن نعرف أننا لا نتحدث عن وجود الخدمة ولكن نوعيتها وتأصيلها علميا وبحثيا، ثم أهمية الفحص والعلاج الاستباقي وسهولة الوصول إليها من قبل جميع المواطنين والمرضى.
مع هذا يجد الإنسان ثغرات وضعفا شديدا في عديد من الخدمات الوقائية. أمثلة ذلك الفحص الدوري المنظم لسرطان الثدي والقولون وعنق الرحم والسكري وأمراض القلب وغيرها، وهذا ظاهر في تأخر تشخيص الأفراد وتأخر العلاج، ومن يشك في ذلك فعليه التحدث لمراكز السرطان والقلب في أي مدينة طبية أو مستشفى يرغبها.
وهنا قد يقول قائل: ماذا عن المراكز الصحية الأولية فهي تقدم عديدا من الخدمات وتخدم شريحة كبيرة من المواطنين والمقيمين وتتابع الأمراض المزمنة .. إلخ. هذا صحيح ولكن الكشف البكر غير متوافر إلا لمن يعلم ويطلب، حيث لم أجد شخصيا خلال السنوات الخمس الماضية إلا أعدادا قليلة جدا من المرضى الذين يقومون بالكشوف المبكرة حسب الأصول الطبية المتعارف عليها والبقية عليهم - رحمة الله.
عندما أعلنت الميزانية العامة للبلاد بلغت مخصصات وزارة الصحة 72 مليارا.. هذا جميل ومفرح، ولكن السؤال هنا: كيف سيتم توزيع هذه الميزانية؟ وما هو نصيب الكشوف الوقائية والبحوث والعلاج المبكرة الاستباقية؟ حيث الهدف منها هو رفع جودة الخدمات الصحية البحثية والكشفية والوقائية والعلاجية لنحصل على عديد من النتائج. أولها جمع المعلومات البحثية عن الجميع ليبنى عليها التخطيط الاستراتيجي المستقبلي لتقليل التشخيص المتأخر المعروف بتكاليفه العالية ونتائجه غير المرضية، وهذا الأمر بحاجة إلى مراكز بحثية مترابطة في جميع المحافظات والمدن بعيدة عن البيروقراطية المعتادة وتعتمد الطرق العلمية الدولية مع رسالة ورؤية وأهداف وشفافية مالية وإدارية تعتمد على الكفاءة العلمية والإدارية. أما بالنسبة للكشوف الوقائية والاستباقية والعلاج المبكر فيجب أن تكون أولوية لوزارة الصحة، وكما يلزم المواطن بطرق شتى لتطعيم أبنائه، أرى أن يلزم جميع المواطنين بالكشف المبكر للأمراض ذات العبء الأكبر على الميزانية كالسمنة والسكر والقلب وهشاشة العظام والسرطانات المختلفة من الولادة حتى آخر العمر.
الهدف النهائي لكل هذا هو خدمات طبية علاجية وقائية استباقية ذات جودة عالية بتكليف مالية أقل، وكما قيل درهم وقاية خير من قنطار علاج. لقد أسمعت لو ناديت حيا، وأسأل الله الصحة والعافية لمن أنادي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي