السعودة الرخيصة تفاقم مشكلة البطالة

شدت انتباهي واستحوذت على تفكيري الرؤى والأفكار التي تضمنتها ورقة العمل التي أعدها الدكتور وديع أحمد كابلي، أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك عبد العزيز، عن السعودة بعنــوان: ''مشكلة البطالــة فـي السعودية: الأسباب وما الحلول؟!''، لكونها طرحت عدداً من الأسباب المنطقية والجوهرية، التي تسببت في فشل جهود السعودة في بلادنا، وفي تفشي ظاهرة البطالة في السعودية بين الجنسين، والتي حددها الدكتور الكابلي في عدد من النقاط المهمة التالية:
ــــ تبني حلول لمعالجة البطالة في بلادنا، لا تحاكي واقع وجذور مشكلة البطالة في المملكة، والتي وكما وصفها الدكتور كابلي بأنها حلول لمشاكل القرن الـ 21 بعقلية القرن الـ 20.
ــــ مشكلة البطالة في السعودية لا يمكن أن تحل في دولة يوجد بها ثمانية ملايين عامل أجنبي؟
ــــ لا يمكن إيجاد حلول للبطالة في المملكة في ظل غياب عاملين مهمين هما: الإنتاجية ومستوى الأجر العادل.
ــــ حلول البطالة لا يمكن لها أن ترضي الجميع.
أكدت الورقة أن مشكلة البطالة في السعودية، يجب أن يقابلها حلول جريئة ووسائل جديدة ومبتكرة، وليس أساليب قديمة ونمطية وتقليدية، لا تعدو كونها مسكنات ومهدئات فقط.
من هذا المنطق طالبت الورقة بضرورة توافر الإرادة السياسية والإدارة التنفيذية الفاعلة، القادرة على إدارة دفة السعودة في المملكة وتحقيق أهدافها الوطنية المنشودة. كما يجب أن يتوافر في الإدارة التنفيذية القدرة على مواجهة المعارضة، التي ستنشأ من المستفيدين من وضع سوق العمل الحالي، بهدف التخفيف من الجوانب السلبية لأية حلول تكون فوائدها تغلب علي مضارها، ولا سيما أنه ليس هناك حلول سحرية يمكن لها أن ترضي الجميع، أو حلول لا تتطلب تضحيات.
من بين الحلول التي اقترحتها الورقة للقضاء على البطالة في المملكة، أن يتم إحلال السعوديين مكان العمال الأجانب بناءً على الإنتاجية، التي تتناسب مع مستوى الدخل الذي يحقق الرضا المادي والاحترام الاجتماعي للعامل السعودي، ويجعل جميع الناس يقبلون على الوظائف التي كانت تعتبر في الماضي متدنية ولا تليق بكرامة العامل الوطني.
إن إقرار مستوى أجر عادل للعامل الوطني، سيرفع دون أدنى شك من قيمة الوظيفة ومن مستوى العامل، ويجعل العامل السعودي محترماً في وسط مجتمعه، كما أن ذلك سيكون بمثابة حافز على سعودة وظائف القطاع الخاص.
أشارت الورقة أيضاً إلى وجود تشوهات في سوق العمل السعودية تعوق من عملية السعودة وتزيد من حدة البطالة، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، تركيز القطاع الخاص على استقطاب العمالة الرخيصة غير الماهرة وغير المدربة، مما حول مفهوم الأعمال اليدوية والمهنية المحترمة، إلى أعمال متواضعة، مما نتج عنه احتقار للعمل اليدوي والعمل المهني، كما أن فتح الباب أمام استقدام العمالة الأجنبية فاقم من مشكلة البطالة في المملكة، ولا سيما أن تأشيرات العمل، أصبحت تجارة ومصدر رزق للبعض.
من بين معوقات حل مشكلة البطالة والسعودة في المملكة أيضاً، نظام التعليم والنظام الاجتماعي، اللذان أصبحا يركزان على مستوى الشهادات وليس على مستوى التعليم أو الخبرة أو المهارة أو الإنتاجية، ما نتج عنه مساهمة نظام التعليم في تغيير هيكلية سوق العمل والتركيز على التعليم النظري، وعدد المتعلمين، وليس على نوعية المتعلمين ومستوى إنتاجيتهم أو مهاراتهم، والخبرات المتراكمة التي يمتلكونها. كما أن تركيز التعليم في السعودية على نيل الشهادات فقط، قد خلق وضعا اجتماعيا غريبا ومشوها لسوق العمل، والذي تزامن مع وجود جيل جديد نشأ في زمن الطفرة والرفاهية، وتعود سهولة الحياة، ووجود الخدم والحشم حوله في كل مكان، مما أسهم بشكل كبير في تغير نظرة المجتمع للعمل اليدوي والمهني، الذي أصبح يحتقر العمل اليدوي والمهني الذي كان آباؤنا وأجدادنا يقومون به في الماضي، كما قد أصبح الشاب السعودي يطمح لأن يكون هو صاحب العمل وليس العامل، وأصبح مفهوم العمل سبة للعامل وليس فخرا له.
خلاصة القول، إن ورقة العمل المقدمة من الدكتور وديع أحمد كابلي، أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك عبد العزيز، شخصت بواقعية وجرأة مشكلة البطالة في المملكة وفشل جهود السعودة، والإخفاقات الملازمة لها، التي من بينها على سبيل المثال، الإفراط في استقدام العمالة الرخيصة، وفتح باب الاستقدام على مصراعيه أمام العمالة الأجنبية، وإيجاد نظام تعليم ونظام اجتماعي، لا يشجعان الشباب السعودي على الانخراط في الأعمال اليدوية والمهنية البسيطة.
إن نجاح جهود السعودة والقضاء على البطالة في السعودية، يتطلب تضافر جهود فئات المجتمع السعودي كافة، وعدم الإلقاء باللوم على القطاع الخاص، وكأنه هو الموظف الوحيد للشباب السعودي والمسؤول عن إيجاد الوظائف وخلقها، فالدولة مسؤولة والشركات العامة وشبه العامة التابعة لها مسؤولة، مما يفرض الحاجة إلى أن يلعب الجميع دوراً مهما في تحقيق معدلات سعودة مرتفعة في القطاعين العام والخاص، كما أن للتشريعات والقوانين والأنظمة دوراً مهما في معالجة البطالة والتعزيز من نسب السعودة في القطاعين العام والخاص على حد سواء.
إن حل مشكلة السعودة في المملكة، يتطلب إقرار مستوى أجر عادل للعامل السعودي، يكفل له أن يعيش حياة كريمة، وأن يعزز من قيمته الاجتماعية ومن قيمة العمل الذي يؤديه.
إن عدم إيجاد الحلول المناسبة والفاعلة للسعودة، ينذر آجلاً أم عاجلاً وكما أشارت ورقة العمل بحدوث مشاكل كارثية لا محالة، وبالذات في ظل تسارع نمو القوى العاملة السعودية، وظروف العمل والمعيشة، التي نحاول يائسين فرضها على العامل السعودي، الذي يعيش بين أهله وعشيرته وعليه التزامات عائلية واجتماعية متعددة، ولا سيما أن هناك فرقا شاسعا بين مستوى المعيشة والأجور في السعودية، ومستوى الأجور والمعيشة السائدة في دول أخرى.
إن عدم إيجاد الحلول المناسبة للسعودة، سيجعل المعركة بين العمالة الأجنبية والعمالة المحلية محسومة مسبقا لمصلحة العمالة الأجنبية، وبالذات في ظل الاستقدام المفتوح، وعدم وجود تنظيم دقيق أو ضوابط صحيحة للتعامل مع قضية السعودة ومشكلة البطالة في المملكة، والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي