الفجوة

حسنا، إذا كانت الرغبة الصادقة والتدريب المستمر هما أساس النجاح والتفوق في أي مهارة أو صنعة أو مهنة فما هو أساس النجاح والتفوق في الأعمال الجماعية والمؤسسات؟
في المؤسسات أنت بحاجة إلى ركائز ثلاث أساسية لا يمكن أن تقوم أي مؤسسة ناجحة من دونها: التخطيط الاستراتيجي، والتنفيذ الفعال، والفريق المتميز.
في هذه العجالة سأتأمل معكم العنصر الثالث فقط وهو التنفيذ الفعال وهو بالفعل معضلة حقيقية تواجهنا كأفراد وتواجه مؤسساتنا العامة والخاصة وتنتزع التوفيق والإنجاز منا كل يوم، هناك فجوة كبيرة بين ما نخطط له وما ننفذه فعلا، هذه الفجوة تسمى في علم الإدارة the execution gap إنها المسافة بين الحلم والواقع وبين النظرية والتطبيق وبين الادعاء والحقيقة.
أنا لا أدعي هنا أنه ليس لدينا مشكلة في التخطيط بل لدينا مشكلة كبيرة في التخطيط حيث تقوم كثير من مشاريعنا العامة والخاصة على اجتهادات شخصية وردود أفعال وقرارات ارتجالية غير مدروسة ولكني أزعم أن مشكلتنا في التنفيذ أكبر بكثير. كم من مشاريع خطط لها بنجاح وجلبت لها بيوت الخبرة العالمية وحبرت في سبيلها الخطط الاستراتيجية وكانت رؤيتها وهدفها واضحا ولكنها فشلت فشلا ذريعا.
إنها أيها الأعزاء باختصار، المسافة بين المهندس المعماري وبين المقاول المنفذ. مهما كان المخطط جميلا ومتميزا فإن تفاصيل البناء والنجارة والحدادة وأعمال الزجاج والتوصيلات الكهربائية والسباكة والطلاء يمكن أن تنتج لك عمارة رائعة أو أن تتسبب في كارثة تتهاوى على رؤوس أصحابها فجأة.
بل في حياتنا الخاصة، كثيرا ما يكون الفرق بين النجاح والفشل في أشياء بسيطة ولكنها محورية. لنأخذ مثالا بسيطا عمليا. هدف إنقاص الوزن أو المحافظة على الوزن المثالي الذي يتطلب الالتزام بحمية غذائية ومقاومة ذلك القالب القشيب المغري من الآيس كريم وممانعة تلك الفاتنة (التشيز كيك) وممارسة الرياضة رغم نداء الكرسي الوثير وإغراء الريموت كونترول! المحافظة على الوزن هو تحد في كل وجبة بل في كل لقمة، وفي الحقيقة كل لقمة تقربك من هدفك خطوة أو تبعدك عنه خطوة. فلماذا يفشل سبعة من كل عشرة يحاولون تخفيض أوزانهم؟ المشكلة في التنفيذ وفي المجاهدة والمثابرة والاستمرارية. وهكذا في كل مشاريعنا وأهدافنا الصغيرة والكبيرة.
في أعمالنا كلها سيكون الفرق بين النجاح والفشل هو كم من الوقت والجهد والتضحية نحن مستعدون لأن نبذل في العمل؟ كيف نستطيع مقاومة المشغلات والمشتتات والتركيز على عمل منتج وفعال فترات طويلة. كم نحن قادرون على تأجيل الكثير من الثانويات ووضع الأولويات نصب أعيننا؟ كم مقدار الجدية والانضباط الذي بوسعنا أن نستثمره في العمل؟ ما هو مقدار التطوير والتعلم في حياتنا العملية؟ مثل هذه الأسئلة ستحدد إجاباتنا العملية عنها نجاحنا من فشلنا.
كثيرا عندما نقرأ أو نسمع بعض معاني تطوير الذات يقول البعض هذا كلام معروف والجميع يؤمن به، ولكن عندما نسأل الشخص الذي أمامنا هل تطبق هذه المعاني؟ هل هي عادات حقيقية في حياتك؟ كثيرا ما تكون الإجابة مؤلمة، وعندما يمل البعض من تكرار أهمية تحديد الأهداف بدقة ومتابعة العمل بشكل مدروس ومنظم ونسأل ذلك الشخص اذكر لنا أهم ثلاثة أهداف لك في هذه السنة فلا يستطيع أن يذكر هدفا واحدا تتبين أمامك بوضوح المسافة الشاسعة في حياتنا بين ما نعرف وما نعمل، بين ما نريد وما نبذل، بين ما نتشدق به وما نمارسه فعلا في أرض الواقع. الانضباط والاستمرارية هما الجسر الذي يعبر بنا من الأحلام إلى الحقيقة ومن الآمال إلى الواقع. ولأهمية هذه الفكرة فقد لخصها النبي - صلى الله عليه وسلم - في عبارة من جوامع الكلم :"قل آمنت بالله ثم استقم". هذه الاستقامة هي التي تتهاوى عندها الهمم ويخرج بسببها الناس من السباق ولذلك قال أيضا للذي أراد أن يقوم بالحد الأدنى من التكاليف الشرعية: "أفلح إن صدق" ونحن نقول لجميع المخططين والمنظرين: "أفلحنا إن صدقنا".
سألوا مرة البطل الأسطوري في سباق الدراجات آرمسترونج: "ماذا أنت عليهWhat are you on? (أي ماذا تأخذ من أدوية أو حبوب أو مواد غذائية تجعلك بهذه الصلابة والقوة والنشاط)؟ فقال: أنا على دراجتي! أتدرب ست ساعات يوميا!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي