اللاجئون.. أزمةٌ عربيةٌ قادمة
لدى المملكة تجربة سابقة في التعامل مع اللاجئين، عقب حرب تحرير الكويت، حينما أقامت معسكراً للاجئين العراقيين في رفحاء، ووفرت لهم خدمات لم تعتد كثيرٌ من الدول تقديمها للاجئين، ورغم تلك الخدمات، وما تحملته المملكة في سبيل القيام بواجبها تجاه اللاجئين، فقد خرجت أصواتٌ تهاجم المملكة، سواء من بعض اللاجئين الذين كانوا يرغبون في الاستقرار في المملكة بصفة دائمة، ولم يتح لهم ذلك، أو من قبل جماعات مسيسة، أرادت استغلال الوضع لخدمة أطراف أخرى.
قضية اللجوء، قضية إنسانية، مثلها مثل قضية الهجرة غير الشرعية، وهناك أنظمة دولية تنظم أوضاع اللاجئين، وتفرض على الدول المستقبلة للاجئين واجبات، تشكل عبئاٍ عليها، ولهذا تحرص كثيرٌ من الدول على تفادي دخول اللاجئين، وكذلك المهاجرين غير الشرعيين إلى أراضيها، عبر تشديد إجراءات الدخول إليها، كما تعمل بعض الدول على إقامة ملاذات آمنة داخل الدول المضطربة، منعاً لنزوح اللاجئين إلى أراضيها.
عند بداية الأحداث في تونس وليبيا بدأت بعض الدول الأوروبية، خاصة إيطاليا، تشهد تزايداً في الهجرة غير الشرعية، واتهمت الدول الأوروبية القذافي بمحاولة إغراق أوروبا بالمهاجرين الأفارقة، وطالبت المجتمع الدولي بالنظر في مشكلة الهجرة غير الشرعية من إفريقيا، رغم أن أعداد المهاجرين لم تتجاوز بضعة آلاف.
ومع تدهور الوضع في ليبيا، شكل تدفق اللاجئين الهاربين من القتال في ليبيا أزمة في تونس، تضاف إلى أزماتها، وأعلنت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أن الوضع على الحدود بين ليبيا وتونس بلغ مستوى ''الأزمة''.
ومع بداية الأحداث المأساوية في سورية، بدأت أعداد من السوريين بالهرب ناحية الحدود اللبنانية والأردنية والتركية، واتخذت تركيا إجراءات عدة للحيلولة دون تدفق أعداد كبيرة من المهاجرين إليها، ورغم تصريحات رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أن بلاده ستبقي أبوابها مفتوحة أمام القادمين من سورية، واستقبال تركيا نحو ثلاثة آلاف لاجئ، إلا أن صحيفة ''حريت'' التركية قالت: ''إن تركيا تفكر في إقامة منطقة عازلة على حدودها مع سورية، إذا فر مئات الآلاف من العنف هناك.
وكشف الكاتب البريطاني روبرت فيسك في صحيفة ''الإندبندنت'' أن ''جنرالات تركيا أعدوا عملية لإرسال كتائب عدة من القوات إلى سورية لإقامة ملاذات آمنة للاجئين السوريين''. وقال: ''إن الأتراك مستعدون للتقدم إلى ما وراء الحدود وصولاً إلى القامشلي وحتى محافظة دير الزور لإقامة ملاذات آمنة للفارين من القمع، وذلك لمنع وصولهم إلى الأراضي التركية''. وأضاف فيسك أن ''الحكومة التركية، وبعد أن شاهدت مئات اللاجئين يتدفقون عبر الحدود الشمالية للبنان، تخشى الآن من تكرار تجربة النزوح الكبير لأكراد العراق الذين غمروا حدودها في أعقاب حرب الخليج 1991.
إذاً عالمنا العربي أمام محنة لاجئين أخرى قادمة، تتمثل في مئات الآلاف الذين سيفرون من بلدانهم، مع اشتداد المواجهات العسكرية وعمليات القمع، وهذا الوضع تتعامل معه تركيا كما يتضح من خلال التصريحات، عبر ممارسة ضغوط على النظام السوري للحد من عمليات القتل الجماعي، وعبر استعدادات غير معلنة لإقامة ملاذات آمنة داخل الأراضي السورية.
هذا الوضع لا يختص بسورية وحدها، بل هو وضع شهدناه على الحدود الليبية ـ التونسية، وقبل ذلك في الصومال التي نزح مئات الآلاف من شعبه إلى كينيا، وقد نشهده في دول أخرى غير مستقرة، مما يتطلب جهداً عربياً مشتركاً وسريعاً لمعالجة الوضع قبل أن يتفاقم.