انتخابات برلمان ولاية غرب البنغال لعام 2011: جبهة اليسار مستنزفة

اجتث إعصار اسمه ماماتا بانيرجي أقدم حكومة شيوعية منتخبة في غرب البنغال في الهند. واستمرت حكومة جبهة اليسار بقيادة الحزب الشيوعي الهندي لفترة 34 عاماً متواصلاً في الحكم منذ عام 1977. لذلك فإنه مع هزيمة هذه الجبهة في عام 2011، فإن تحالف مؤتمر ترينامول كان يصنع التاريخ.
فاز التحالف الذي يقوده هذا الحزب بـ 227 مقعداً من مجموع مقاعد البرلمان البالغ عددها 294 مقعداً مقابل 62 مقعداً فقط لجبهة اليسار، مقارنة بـ 253 مقعداً حصلت عليها في انتخابات عام 2006. وحصل حزب مؤتمر ترينامول على 185 صوتاً، بحيث بإمكانه تشكيل الحكومة المقبلة وحده. وإن هذا الانتصار الساحق الذي حققه الحلف الذي يقوده هذا الحزب مؤشر على العداء تجاه جبهة اليسار التي أصبحت مكروهة تماماً بسبب ما عرف عن خضوع الحكومة بشكل كامل لنزوات عدد من أعضاء أحزاب جبهة اليسار بقيادة الحزب الشيوعي الهندي في ولاية غرب البنغال، على كل مستويات الحكم.
يمكن القول إنه تم اجتثاث وجود جبهة اليسار في مواقعها الحصينة، بينما فشل حزب CPI الرئيسي فيها في الحصول على مقعد نيابي واحد في أربعة دوائر انتخابية، هي كولكاتا، وهوراه، وميدابنور الشرقية، وداجيرلنج، التي ظلت منذ فترة طويلة مناطق سيطرة للحكومة الشيوعية اليسارية. وكان ذلك الحدث هو الذي اجتث جذور أكثر الأحزاب تنظيماً في الهند من أقوى مواقعه في ولاية غرب البنغال التي تعتبر من أعلى الولايات الهندية من حيث مستوى الوعي السياسي.
ما الذي تسبب في هذا السقوط الشامل لجبهة اليسار في ولاية غرب البنغال؟ من المؤكد أن أهم أسباب تراجع شعبية حكومة اليسار في هذه الولاية الهندية تلك السياسة الفاسدة الخاصة بتمليك الأراضي لصالح حركة التصنيع ذات الوتيرة السريعة للغاية. ولا شك أن كثيراً من مؤيدي اليسار تراجعوا عن ذلك التأييد بسبب السرعة التي نفذت بها حكومة الولاية عمليات الاستيلاء على الأراضي الزراعية لصالح التوسع الصناعي الذي تم معظمه بأيدي قياديين من القطاع الخاص. وفشلت الجبهة اليسارية كذلك في فهم دوافع تحرك مؤيديها ضدها، وتحويل أصواتهم إلى جهات أخرى، بعد أن اقتنعوا بعدم قدرة الحكومة على معالجة مشكلاتهم الاجتماعية والاقتصادية المعقدة للغاية. ولم يظهر أن الأحزاب التي تشكل جبهة اليسار استطاعت فهم مغزى تحول التيار الشعبي ضد الحكومة في هذه الولاية الهندية.
الحقيقة هي أن عوامل نتائج هذه الانتخابات تكونت استناداً إلى عدد من القضايا المحلية. وكان كثير من النجاحات التي حققتها جبهة اليسار في هذه الولاية يعود إلى إجراءاتها على نطاق واسع فيما يتعلق بإصلاحات توزيع الأراضي. غير أن ما جلبته العولمة الحديثة من أمور جديدة كان أكبر من أن تفهمه الحكومة على نحو سريع حين تعلق الأمر بزيادة التوقعات من جانب قواعدها الواسعة في المناطق الريفية. وكان الناس في تلك المناطق يتطلعون إلى تحقيق مزيد من التقدم على صعيد التعليم الابتدائي، ومرافق العناية الصحية، وشؤون التغذية، والأجور في القطاع الزراعي، وغيره من قطاعات الاقتصاد المحلي، وتعويضات الاستيلاء على الأراضي، والتموين العام، وتحسين توزيع الأغذية من خلال النظام العام للتوزيع على مستوى الولاية ككل.
كان الفشل في معالجة كل هذه الأمور قد أدى إلى تراجع كبير في التأييد الذي كانت تتمتع به جبهة اليسار، بحيث أخذت قاعدتها الشعبية بالتراجع بعد أن بلغت الذروة في عام 1977، حين بدأت الحكومة الجديدة في ذلك الوقت بعدد من إصلاحات توزيع الأراضي على نطاق واسع. ورأت حكومة جبهة اليسار أن فوزها الكاسح في انتخابات عام 2006 يمثل تفويضاً مطلقاً لها كي تتبنى سياسة التصنيع على نسق سريع للغاية، ففقدت بذلك تأييد أعداد كبيرة من أبناء الريف، وذلك بعد تأييدها تخصيص مساحات واسعة من الأراضي الزراعية كي تقيم عليها شركة تاتا الهندية مصنعاً عملاقاً للسيارات الشعبية، وأصبحت هذه القضية بمثابة كعب أخيل القاتل لحكومة جبهة اليسار في الولاية. وانتشرت الحركة المعادية للاستيلاء على الأراضي الزراعية كالنار في الهشيم، وجعلت حكومة جبهة اليسار غير قادرة على احتواء حالة الغضب الشعبي التي تحولت إلى أصوات مضادة في انتخابات الشهر الحالي.
نجد كذلك أنه حتى المسلمون الذين اعتادوا تأييد جبهة اليسار، تخلوا عنها في التصويت، نظراً لأنهم تأثروا على نحو سلبي بعمليات الاستيلاء على الأراضي، حيث إن تلك العمليات أدت إلى انتزاعهم من جذورهم الزراعية. ومن سخريات القدر أن جبهة اليسار التي اعتبرت المنقذة بعد الفترة التالية لأحوال الطوارئ (1975 - 1977) أصبحت ضعيفة للغاية في ولاية غرب البنغال بعد فشلها في معالجة أسباب قلق الناخبين على مدى سنوات من الحكم.
تلقت صورة الحكومة اليسارية، التي كانت أقرب إلى تطلعات طبقات الشعب العادية، ضربة هائلة من خلال ما قامت به حكومة اليسار من إجراءات لتمليك مساحات واسعة من الأراضي الزراعية للشركات الصناعية. واستطاعت أحزاب المعارضة التي أتقنت عملية عدم تشتت الأصوات، وبالذات على صعيد حزب ترينامول، أن تكسب الكثير من الأصوات مستفيدة من كل هذه الظروف السائدة في الوقت الذي فشلت فيه أحزاب اليسار في التحرك بهذا الأسلوب، الأمر الذي أدى على نطاق واسع إلى فقدانها الكثير من قواعدها الانتخابية عبر الولاية. وبذلك، فإن نتائج انتخابات عام 2011 تعتبر شهادة على استمرار ابتعاد اليسار عن تطلعات الناس، وبرهاناً على فشل هذه الحكومة اليسارية في معالجة أهم القضايا الاجتماعية والاقتصادية، الأمر الذي حول اتجاهات الرأي العام ضدها.
يجسد الفشل الكبير الذي لاقاه مرشحو جهات اليسار كيف أن المنظمة اللينينية في هذه الولاية لم تكن مستمعة جيدة، على الدوام، لأصوات المحتجين. وإن ما حدث ليس فقط نتيجة لتحول في سياسة تمليك الأراضي، بل إنه رد فعل عنيف على حركة التصنيع السريعة للغاية القائمة على مصالح القطاع الخاص، الذي تمتع بدعم مالي واسع من جانب الحكومة.
ويبدو أن اليسار غير مؤهل في الوقت الراهن لمعالجة المشكلات الحقيقية للناس على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي في ظل عالم تعمل العولمة على تغييره. وأثبتت نتائج الانتخابات الأخيرة، التي فاز بها تحالف حزب ترينامول، أن الجبهة اليسارية لم تعد ملائمة كي تكون درعاً ضد الامتعاض الشعبي القوي، رغم تعهدها بأن تعمل بقوة في سبيل كبح جماح حركة الإرهاب.

خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: Opinion Asia

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي