هل يظل خطاب الضمانات قيداً على الإدارة الأمريكية
المبادرة التي قدمها الرئيس أوباما تلتقي مع المبادرة العربية للسلام في جوهرها، ولذلك فقد استقبلها العالم ببعض الرضى لولا أن نتانياهو رفضها بحدة وألب اللوبي الصهيوني ضد أوباما، ما بدا أنه جولة جديدة من الخلاف بين الولايات المتحدة وإسرائيل. وإذا كان أوباما قد سجل الموقف الأمريكي الرسمي الثابت من أن الأراضي التي استولت عليها إسرائيل خلال عدوانها على الدول العربية المجاورة عام 1967 هي أراض محتلة، وهو ما ينسجم تماماً مع قرارات مجلس الأمن التي تشكل مرجعية السلام في المنطقة. تقدير العالم العربي هو أن إسرائيل أقوى من أوباما، خاصة أن الجمهوريين يزايدون على الولاء لإسرائيل، وأن "الإيباك" هدد أوباما بأنه باع إسرائيل وتخلى عنها وأنه لن يدعم إعادة انتخابه مرة أخرى. بصرف النظر عن رغبة أوباما الحقيقية أو الفرص الحقيقية في إعادة الانتخاب أو أن الحزب الديمقراطي يمكن أن يقدم مرشحاً آخر، وكلها قضايا مفتوحة، فإن أوباما مر بتجربة مهمة، وهي أنه يجب على الرئيس أن يرهن الإدارة الأمريكية الرسمية والفعلية لإسرائيل ما دام الطرف العربي يظل دائماً هو المتلقي سواء بالاستفادة أو بالتضحية.
في غضون ذلك نلفت النظر إلى أمرين: الأول أننا جميعاً نتحدث عن نزاع فلسطيني ـــ إسرائيلي تعقد بعد المصالحة وتجرى محاولات عرقلتها حتى يسوى بين إسرائيل والسلطة، التي يفضل أن تضم كل الأطياف الفلسطينية المعترفة مسبقاً بإسرائيل، رغم أن إسرائيل لم تعترف يوماً بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. الأمر الثاني اللافت حقاً هو أن إسرائيل تتمسك بخطاب الضمانات الذي وقعه الرئيس بوش مع شارون يوم 14 نيسان (أبريل) 2004، الذي يعطى إسرائيل الحق في أن تجري ما تشاء من تغييرات على الأرض، وتكون تلك التغييرات أمراً واقعا يتم التفاوض انطلاقاً منه. هل معنى ذلك أن الإدارات التالية تظل ملزمة بهذا الخطاب ولا أمل في أي دور حقيقي أو تغيير تحدثه الإدارة الأمريكية؟ هل صار تحالفاً أبدياً تقف فيه واشنطن مع إسرائيل لاستكمال الاستيطان والتهويد أم أن أثره السياسي يتوقف على قوة الإدارة وقدرتها على الإفلات من هذا القيد.
من الناحية القانونية، إذا افترضنا أن الخطاب اتفاق بين طرفين يحدد مسار التسوية في المنطقة، فإن الخطاب يناقض أحكام القانون الدولي بشأن الأراضي المحتلة ويخضع القانون الدولي لحالة الأمر الواقع التي تفرضها القوة الإسرائيلية. في هذه الحالة لا يجوز الاتفاق على ما يعد انتهاكاً فادحاً للقانون الدولي العرفي، كما أن التسليم بأن الخطاب اتفاق يعنى عدم مصداقية المواقف السياسية الأمريكية في إطار ما يسمى بعملية السلام. الظاهر أن خطاب الضمانات هو تعهد من جانب واحد يشبه تعهد بريطانيا فيما عرف بتصريح بلفور، وكلاهما يعطى إسرائيل حقوقاً مناقضة لأوضاع فلسطين القانونية سواء فلسطين تحت الدولة العثمانية عام 1917، أو فلسطين الطامحة إلى دولة للفلسطينيين حسب قرار التقسيم، كما أن هذا التعهد يناقض موقف محكمة العدل الدولية في قضية الجدار العازل في التاسع من تموز (يوليو) 2004 أي بعد صدور الخطاب بثلاثة أشهر. لقد كان الخطاب شيكاً على بياض لإسرائيل، مما يجعل سعي واشنطن إلى أي تسوية يصطدم حتما بمرجعية هذا الخطاب، ولذلك أشك في أن تجرؤ واشنطن على أن يتجاوز موقفها بوضوح هذا الخطاب.