المجتمعات العربية ومقومات السلوك الحضاري

لا أعتقد أنه من الغريب في هذا الزمن أن ترى من ينصحك ولكنه لا ينصح نفسه أولا، وكثيرا ما ترى من يحاول انتقاد سلوكك بينما يكثر في سلوكه الخطأ، دون أن يؤمن فعلا بأن ما يفعله خاطئ. لا أدري لماذا لا ينظر هؤلاء إلى ذواتهم ويحاولون أن يعالجوا ما هم مصابون به من سلبيات، وقد يعتبر البعض أن المستوى التعليمي يعطيهم المبرر للتحكم في الآخرين ولفرض آرائهم عليهم، ولكن مثل تلك السلوكيات السلبية تحكمها طريقة التنشئة الأسرية من الأساس، فأحيانا تشتري بعض الاحتياجات وتقف لتحاسب وفجأة تجد من يأتي ليزاحمك ويحاول الوقوف أمامك، بل ويجادلك بأن لديه أغراضا أقل منك ويكفي في نظره هذا المبرر، هي مواقف عابرة وبسيطة ولكنها تدل على وجود مشكلة اجتماعية تعطي دلالة إحصائية منخفضة أو مرتفعة لمستوى ما يطلق عليه السلوك الحضاري، وعلينا أن نفكر ما هي محكات السلوك الحضاري بشكل مطلق، ولكننا سنجد أن الإجابة تشير إلى أنه لا يوجد ما يسمى بسلوك حضاري مطلق، لأن السلوك بشكل عام تختلف محكاته من مجتمع إلى آخر ومن ثقافة إلى أخرى، فما يعتبر مقبولا وحضاريا في مجتمع يعتبر في المقابل غير مقبول في مجتمع آخر، ولكن تظل هناك أساسيات بناءة يقوم عليها مفهوم السلوك الحضاري بمضمون إيجابي، فمثلا لا أعتقد أنك من النادر أن ترى شخصا تقدم له شيئا إيجابيا وهو لا يفكر أن يشكرك على ما قدمت. هذا ما نشاهده يتكرر كثيرا ونراها دائما، والأدهى أن بعض هؤلاء يعتقدون الكمال في أنفسهم ولا يرون عيوبهم لا أعتقد أن الوعي الثقافي الاجتماعي يرتبط بالتعليم أو الشهادات العلمية، بل يرتبط بالتوجيه الأسري، وما الشهادة العلمية إلا مجرد صاقل لتلك التنشئة الإيجابية؛ بدليل أن هناك كثيرا من السمات الإيجابية والصفات التي اختفت بدخول المدنية والتطور، ولعل الوفاء بالعهد من السمات التي بدأت تتلاشى، فبعد أن كانت الكلمة هي الحكم والفصل أصبح البعض إذا وعد بشيء وتهاون في تنفيذه فإن أبسط ما يمكن فعله أن يغلق هاتفه النقال ليهرب من مواجهة أي موقف من المواقف، وليس مجتمعنا فحسب، بل إن عالمنا العربي مليء بتلك النماذج، فقد تتفق مع شخص على أن تتقابل معه في موعد معين لتنجز معه عملا ما وتربطك به علاقة كقرابة أو صداقة مثلا، ولكنك ترى أنك تنتظر ساعة أو ساعات أخرى فوق الساعة حتى يحضر ذلك الشخص، والأمر المحزن أن البعض قد يعتبره أمرا طبيعيا ولا خلاف على ذلك، ليس الإتيكيت الذي يفرض تعلم ذلك ولكن ديننا الحنيف وجهنا إلى الالتزام بمقومات السلوك الحضاري وغرسها في نفوس أطفالنا حتى نحترم الجميع ويحترموننا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي