ترشيد القروض الاستهلاكية مسؤولية مشتركة

تباينت الآراء الاقتصادية حول أسباب تنامي ظاهرة القروض الاستهلاكية في المجتمع السعودي، ما بين إلقاء اللوم والمسؤولية على المقترضين باعتبارهم هم المسؤولون في نهاية المطاف عن اتخاذ قرار الاقتراض من عدمه، وبين إغراءات البنوك ومؤسسات التمويل الأخرى، التي تتهافت وتتسابق فيما بينها على تقديم سلسلة من منتجات التمويل الشخصي بأسعار وشروط ميسرة للراغبين في الحصول على التمويل، وبالذات وأن البنوك التجارية العاملة في المملكة، قد توسعت بشكل لافت وملحوظ منذ عام 1999، في منح القروض الاستهلاكية للأفراد، بهدف تلبية الطلب المتنامي من جمهور العملاء على هذا النوع من القروض.
التباين في الآراء الاقتصادية حول أسباب تنامي ظاهرة القروض الاستهلاكية في المجتمع السعودي، يرجع سببه إلى عوامل عدة، من بينها على سبيل المثال لا الحصر، وفق رؤية بعض الاقتصاديين، أن إجمالي حجم القروض الاستهلاكية الممنوحة للأفراد من قبل البنوك التجارية العاملة في المملكة، لا تزال تشكل نسبة معقولة وغير مقلقة من الناتج المحلي للمملكة، حيث قد بلغت تلك النسبة على سبيل المثال في عام 2009، نحو 13 في المائة، والتي تعتبر إلى حد ما مقبولة مقارنة بنسب مماثلة في دول أخرى على مستوى العالم، ولا سيما حين ربط تلك النسبة، بنسبة التعثر في السداد، والتي لم تتجاوز في ذلك العام 1.1 في المائة، في حين أنها قد تجاوزت أضعافها في أسواق أخرى.
إن ضوابط التمويل الاستهلاكي، التي أصدرتها مؤسسة النقد العربي السعودي "ساما" أخيرا وبالتحديد في عام 2005، وبالذات المرتبطة بتحديد الحد الأقصى للتمويل والحد الأقصى لمدة الاستحقاق، قد أسهمت على حد كبير في ضبط معدلات ووتيرة نمو القروض الاستهلاكية، بالشكل الذي لا يلحق الضرر سواء بالبنوك الدائنة أم بالمقترضين، ولا سيما وأن تلك الضوابط قد فرضت على البنوك عدم تجاوز المدفوعات الشهرية الإجمالية للمقترض مقابل إجمالي قروضه بما في ذلك بطاقات الائتمان ثلث صافي راتبه الشهري، وبالنسبة للأشخاص المتقاعدين فقد حددت تلك النسبة بـ 25 في المائة من الراتب التقاعدي، كما لا يجب أن يتجاوز الحد الأقصى لمدة استحقاق أي تمويل استهلاكي مدة خمس سنوات.
إن توفير نظام المدفوعات من ميزة تحويل الرواتب مباشرة إلى حسابات العملاء بالمصارف، إضافة إلى تزويد الشركة السعودية للمعلومات الائتمانية "سمة"، البنوك المقرضة لسجلات ائتمانية عن العملاء المقترضين، قد ساعد البنوك على التوسع في منح القروض بأقل نسب التعثر المحتملة، إضافة إلى تمكينها من اتخاذ قرارات ائتمانية صائبة وحكيمة توازن بين حجم التمويل الممنوح للعميل وبقية الالتزامات المالية الأخرى الخاصة بالعميل.
إن ترشيد القروض الاستهلاكية في المجتمع السعودي، يعد مهمة ومسؤولية مشتركة بين البنوك المقرضة ومؤسسات التمويل الأخرى، والعملاء المقترضين، الأمر الذي يتطلب توسع المصارف في منح القروض، التي تعود بقيمة اقتصادية مضافة على العميل، ولتحقيق ذلك المطلب، فقد بدأت المصارف المحلية في التوسع خلال السنوات القليلة الماضية، في منح ذلك النوع من القروض، حيث على سبيل المثال، قد شهد إجمالي القروض العقارية خلال الفترة ما بين عام 1998 وحتى نهاية عام 2010 ارتفاعا كبيرا وملحوظا، حيث ارتفع إجمالي ذلك النوع من القروض من 1.778 مليون ريال في عام 1998، إلى مبلغ 23.087 في نهاية العام الماضي.
إن نجاح الجهود الرامية إلى ترشيد حجم القروض الاستهلاكية، يتطلب أيضا زيادة الوعي والإدراك لدى العملاء عند الحصول على التمويل الشخصي، حيث تكون الرغبة في الاستفادة التامة من ذلك التمويل وبما يعود بالنفع والفائدة عليهم، وعدم التوجه نحو القروض، التي تشكل عليهم التزامات مالية تثقل كاهلهم وتتسبب في إرهاق ميزانية الأسرة دون وجود جدوى أو عائد اقتصادي مجد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي