جامعة الأميرة نورة .. تكامل الإرادة والإدارة والهندسة
كان لإرادة خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - قبل سنتين حينما وضع حجر الأساس لمشروع جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن، مشعل البداية لهذا المشروع الذي هو أشبه بالمعجزة، وعلى مساحة ثمانية ملايين متر مربع بمسطح بناء أكثر من ثلاثة ملايين متر مربع خلال مدة وجيزة يعرف المهندسون تلك الأرقام وما تعنيه من حقائق يستحيل أحيانا أن تنفذ بمثل هذه السرعة وهذا الإتقان.
مع إرادة الملك - حفظه الله - كانت هناك إدارة نفذت إرادته حيث باشرت وزارة المالية بتوجيهات من معالي وزير المالية ومن خلال طاقم إداري وهندسي يقوده مساعد وزير المالية الأستاذ محمد المزيد ليتابع هذا المشروع العملاق من أول يوم ويحسب ليس الساعات بل الدقائق والثواني لذلك المشروع العملاق، وقد قال لي أحد المهندسين إنه خلال السنتين كان يعيش مع المشروع ويجلس فيه ويعايشه ويشاهد المهندسين أكثر مما يجلس ويشاهد عائلته، لما قد استغرق جل وقتهم وجهدهم لإنجاز تلك الإرادة بهذه السرعة، والذي تعد الجامعة معه ليس مدينة جامعية بل مدينة متكاملة بكل ما تعنيه المدينة من تكامل عمراني بديع مما قد لا يحتاج معها إلى أن يبرحها إلا حينما يرغب أن يسافر فقط.
ومع ما كان من العوائق والصعوبات إلا أن الهندسة والإبداع الذي تم من خلال فريق هندسي متكامل بين المالك والاستشاري والمقاول كانت له ثمرته التي أنتجت ذلك المشروع. ولعل ما شاهدناه من مبان فوق الأرض، قد لا يعرف الكثير عما تم من بنية تحت الأرض لهذا الصرح الهندسي الكبير وذلك من خلال نفق الخدمات الذي يمتد بطول أكثر من أربعة كيلومترات ليكون عصب الجامعة ويحمل معه كل الخدمات والتي تحتاج إليها الكليات والمباني الأخرى دون أن يحتاج معه إلى الخدمات الأرضية التي يتطلب المشروع الفريد أن يكون طاقم الصيانة بعيدا عن الحرم الجامعي وعن تواجد الطالبات فيه، من خلال تلك التجربة الفريدة للتصميم الهندسي وإبداع حلول تعالج كل إشكال.
إن هذا المشروع قد قبل التحدي الذي أراده الملك - يحفظه الله - وذلك من خلال ثلاثة جوانب يمكن لها أن تكون سببا لتوقف أي مشروع بمثل هذا الحجم:
● أول هذه التحديات للمشروع أن هذا المشروع بدأ ولم تكن تصاميمه مكتملة بشكل كامل بل كانت التصاميم في مجملها تصاميم أولية ولذا كان العقد مع المقاول والاستشاري أن يكون (تصميم + تنفيذ) وهي عملية معقدة في العقود الهندسية حيث تتطلب موافقات على التصميم أولا ثم موافقات على طريقة التنفيذ ثانيا، ولكن هذا العمل تم بشكل متناغم مع الاستشاري ومع المقاولين ولم يوقف المشروع بسببه بل ما نراه اليوم هو دليل على أن فريق المشروع قبل التحدي لهذا العمل.
● التحدي الآخر هو الوقت حيث كانت إرادة الملك حفظه الله أن يكتمل المشروع خلال سنتين فقط وفي مشروع كهذا الصرح يصعب بشكل كبير أن تتكامل أجزاؤه وتترابط في سنتين، إذ لو كان المشروع بحجم مبنى واحد بمسطح مليون متر مربع مثلا أو أكبر قليلا لأمكن القول إنه بالإمكان أن ينتهي، مع أن المشروع في مثل ذلك الوقت الزمني مع برنامج يغطي الأربعة والعشرين ساعة، ولكن حينما يكون المشروع غير مكتمل التصاميم يصبح عامل الزمن أيضا بالغ الصعوبة، لكن فريق المشروع أيضا قبل التحدي وغامر في أن ينتهي المشروع في مثل هذا الوقت القصير في عمر المشروعات فضلا عن عمر المدن.
● والتحدي الثالث ولا أقول الأخير لأني أجزم أن هناك تحديات كثيرة صاحبت المشروع لكن ربما كان التحدي الأصعب هو التنسيق والتكامل مع ثلاثة مقاولين حيث إن المشروع قد قسم لضخامة حجمه إلى ثلاثة مقاولين محليين وهي في إدارة المشروعات تصبح أكثر صعوبة من أن يكون مقاولا واحدا ينفذ كامل العمل ولذا كان التحدي للمشروع هو أن يتم التصميم والتنسيق والتنفيذ بشكل متناغم ودون أي مشاكل بين جميع الفرق وهو ما قبل به فريق المشروع لهذا التحدي الكبير، وقد تم المشروع من خلال هذا التكامل الهندسي الرائع.
لقد استطاع أكثر من ثلاثة آلاف مهندس يعملون ليل نهار ويشرفون على أكثر من 70 ألف عامل في المشروع أن ينجزوا هذا العمل الرائع وهذه المدينة المتكاملة، فهنيئا لهذا الوطن بهذا المنجز الذي يعد أكبر جامعة للبنات في العالم أجمع، ولتضيء هذه اللؤلؤة الجميلة في سماء الرياض وتشع في أرجاء الوطن الغالي.