كعكة الليمون الحزينة!
يحدث أن تغير بعض الأيام حياتنا إلى الأبد، لكن أن تغير قضمة من كعكة حياتنا هذا ما لم أسمع به من قبل!
الكتاب الذي يروي هذه القصة من تأليف الكاتبة آيمي بيندر، عبرت مصادفة برفوف الكتب ووجدت صورة روز طفلة التاسعة على الغلاف تنظر بأسى باتجاه قطعة كعك الليمون المزينة بالشوكولا!
في المختصر رواية The Particular Sadness of Lemon Cake تحكي أن روز تكتشف في عيدها التاسع وبعد تناولها لقطعة الكعك بأنها ليست قادرة على تذوق المكونات المادية للطعام وحسب، بل تذهب لأبعد من ذلك وتتذوق مشاعر الطاهي.
هذه الهبة تارة - واللعنة تارة أخرى - تصبح سمة لحياة روز، وفي كل مرة تأخذ قضمة من أي طبق مطهو من قبل البشر تلاحقها المشاعر المتذوقة ولا تتركها تستريح.
بدأ الأمر في ظهيرة ثلاثاء ربيعية، حينما تسللت روز وأخذت قطعة من الكعكة التي أمضت والدتها الكثير من الساعات والتجارب للتوصل لضبط وصفتها «السحرية»، تتذوق الطفلة خواء والدتها وحزنها، وأشياء أخرى تخيفها من طعام المنزل.
وأصبحت تستعيض عنه بالأكل من أجهزة الوجبات السريعة المعلبة مثل رقائق البطاطا والحلويات الغارقة في السكّر، والسبب كما تروي لنا بلسانها أنها من إعداد مكائن المصانع، وليست من صنع البشر، وأنها بهذا الاختيار ستتجنب انتقال مشاعر الآخرين لمريئها ومعدتها.
روز تنتمي لأسرة أمريكية من الطبقة المتوسطة، والدها يعمل في شركة محاماة، والدتها تتعثر بين عدة أعمال لكنها تجد ضالتها في محل للنجارة. أخوها الوحيد جوزف منطوٍ على نفسه، يسمونه «العبقري»، وهو بلا أصدقاء، ما عدا صديقا وحيدا يزوره ويغرقان في حلّ المسائل ورسم الأكوان.
وبين أفراد عائلتها الصامتة في أغلب الأحيان، وبين مأساتها الشخصية التي لا تصدق بسهولة تروي لنا روز أحداث يومها بلغة طفولية محببة، وهذا ما جعلني أنجذب لإكمال قراءة فصول الكتاب.
فالكاتبة آيمي نجحت في استخدام تلك النبرة الطفولية التي تصف مشاعر روز، ونجحت أيضاً في إقناع القارئ من أن عارضاً صحياً كهذا يمكن القبول به وتصديقه!
في أحد فصول الكتاب تلتهم روز شطيرة لحم وخضراوات، وتستعيد مع المضغ مشاعر العمال، وهم يحصدون الخسّ، ملل تقول لنفسها، وتخمّن مصدر اللحوم: شرقيّ الولايات المتحدة، ثم الجبنة وهكذا.
أعتقد أنني وإن طرحت تساؤلاً على الذين شاركوني قراءة الكتاب سأجد أنهم توقفوا لمرة أو أكثر لتذوق مشاعر طعامهم بعد مغامرة روز المدهشة.
وتذكروا أيضاً «نَفَس» الأكل كما يصف إخوتنا المصريين مهارة كلّ طاهية وقدرتها على ترك بصمتها على أطباقها.
آيمي بيندر استخدمت أدب الواقعية السحرية للكتابة في هذه الرواية، ويصعب في كثير من الأحيان الكتابة في هذه المدرسة، خصوصاً أن الخيال إذا ما بدا مفتعلاً فإنه يصبح منفراً للقارئ ويقضي على فرصة اكتمال جودة العمل.
لماذا نجحت؟
آيمي كتبت عن أسرة تعيش فوضى من المشاعر المستترة، لا أحد يجرؤ على الحديث عن ألمه والكل في فلكه الخاصّ وتمضي الأيام هكذا حتّى تطفو مشكلة روز على السطح وهي العنصر الخيالي الوحيد في كلّ ما يحدث.
هذه الأسرة التي تعاني سوء التواصل الفعال، وما يترتب عليه من مشاكل تلقي بظلالها على جو الحكاية العام وتغمرها في حزن يتجاوز كعكة الليمون!