الاقتصاد في اللقاء التشاوري الخليجي رقم 13
كما كان متوقعا، سيطرت الملفات الأمنية والسياسية على الجزء الأكبر من محادثات قادة دول مجلس التعاون الخليجي في لقائهم التشاوري رقم 13 في مدينة الرياض. مؤكدا، يمكن تفهم هذا الأمر نظرا للظروف الدقيقة التي تمر بها المنطقة وخصوصا الغموض الذي يكتنف مصير اليمن، الدولة الجارة.
بيد أنه لم يهمل القادة الأمور الاقتصادية موضع الاهتمام المشترك وبالأخص مشروع الاتحاد الجمركي. بدورنا، نرص صواب التركيز على هذا المشروع التكاملي الاقتصادي الخليجي بالنظر لأهميته النسبية فضلا عن تأخر دخوله حيز تطبيقه بشكل كامل لسنوات عدة.
الاتحاد الجمركي في 2015
بالعودة للوراء، دخل مشروع الاتحاد الجمركي حيز التنفيذ في بداية عام 2003 على أمل الانتهاء من تطبيقه بشكل كامل في 2005. لكن قرر قادة دول المجلس وخلال القمة رقم 26 في أبو ظبي في نهاية 2005 تأجيل تنفيذ متطلبات مشروع الاتحاد الجمركي حتى عام 2007. لكن لوحظ تأخر الإعلان عن موعد فعلي لتطبيق للمشروع لحين الاستعدادات للقمة التشاورية الأخيرة.
والإشارة هنا إلى نتائج الاجتماع رقم 90 للجنة المالية والاقتصادية لدول مجلس التعاون والذي عقد في مدينة أبو ظبي على خلفية تولي الإمارات هي رئاسة الدورة الحادية والثلاثين. من جملة الأمور المهمة، أكد المجتمعون على وضع برنامج زمني مع نهاية 2011 ولمدة ثلاث سنوات بغية التطبيق الكامل لمشروع الاتحاد الجمركي بداية 2015. حقيقة القول، يتميز هذا التطور بالكثير من الواقعية وذلك بالنظر للتعقيدات المرتبطة بتطبيق المشروع من قبيل التوصل لآلية تحصيل ونسب توزيع حصيلة الإيرادات الجمركية.
وخيرا فعل أعضاء اللجنة المالية والاقتصادية بتقديم توصية لإنشاء هيئة للاتحاد الجمركي لدول مجلس التعاون تكون مسؤولة عن الرقابة والتدقيق والتأكد من تطبيق الإجراءات الجمركية الموحدة. وتشمل المهام المقترحة لهذا الهيئة أمور مثل متابعة تحديد نسب توزيع الحصيلة الجمركية والوصول بها إلى نسب مدققة. وفي هذا الصدد، لا تتوافر معلومات عن نتائج دراسة توزيع العوائد الجمركية بين الدول الأعضاء بموجب عقد يعود لعام 2008 تم إبرامه مع شركة برايس ووتر هاوس كوبر الأمريكية.
معالجة العقبات
من جملة القضايا العالقة الأخرى والمعقدة، هناك معضلة عدم التزام بعض الدول الأعضاء بالتعرفة المتفق عليها وقدرها 5 في المائة مع الواردات القادمة من جميع الدول الأخرى لأسباب مختلفة منها العمل على حماية المنتجات الوطنية. كما توجد معضلة عدم انسياب حركة الشاحنات على الحدود لأسباب تتعلق بالإفراط في إجراءات تفتيش البضائع ومعاينتها في بعض المنافذ الجمركية. وتشمل التعقيدات الأخرى وجود اختلافات بين دول المجلس حول بعض المواصفات والمقاييس.
إضافة إلى ذلك، لا مناص من التعامل بالشكل الإيجابي مع تداعيات إبرام كل من البحرين وعمان بصورة منفردة اتفاقية للتجارة الحرة مع الولايات المتحدة. تعفي اتفاقية التجارة الحرة من فرض رسوم على السلع الأمريكية الواردة لكل من البحرين وعمان وبالتالي فرضية دخول هذه السلع لباقي دول مجلس التعاون الخليجي وبالمزايا نفسها الأمر الذي يخل بميزان المنافسة.
وفي كل الأحوال، من الأهمية بمكان الأخذ بمقترحات رجال أصحاب الأعمال في دول المجلس فيما يخص التأكيد على تسهيل عملية انسياب الشاحنات، وبالتالي السلع عبر المنافذ والحدود مثل توفير منح سائقي الشاحنات فرصة الحصول على تأشيرات الدخول على مدار الساعة. فهناك مسألة إيجاد ممرات خاصة لشاحنات الترانزيت وللمنتجات الغذائية سريعة التلف للمحافظة على صلاحيتها. كما تشمل مرئيات القطاع التجاري إقامة ربط إلكتروني بين الأجهزة الجمركية وتوحيد إجراءات تخليص المعاملات من خلال استمارة واحدة فضلا عن استشراف الأساليب الحديثة للتفتيش.
كما ليس من المستبعد مساهمة إقرار صيغة متكاملة لمشروع الاتحاد الجمركي بتهيئة الأرضية لدخول منظومة مجلس التعاون الخليجي مفاوضات مع منظمة التجارة العالمية بشأن الحصول على اعتراف دولي للاتحاد الجمركي الخليجي. ومن شأن الحصول على هكذا شهادة تعزيز المكانة الاقتصادية لمجلس التعاون الخليجي على المستوى الدولي في عصر العولمة حيث المنافسة عالمية.
المواطنة الاقتصادية
يشكل مشروع الاتحاد الجمركي المرحلة الثانية من مسيرة التكامل الاقتصادي أي تكتل اقتصادي بعد إنشاء منطقة للتجارة الحرة ولكن قبل مشروعي السوق المشتركة والاتحاد النقدي. وكانت دول الخليج الست قد أصبحت منطقة للتجارة الحرة في عام 1982 أي بعد فترة قصيرة على انطلاق مجلس التعاون الخليجي.
كما قررت دول المجلس الست تطبيق مشروع السوق الخليجية المشتركة بدءا من عام 2008. يرتكز مفهوم السوق المشتركة على منح وسائل الإنتاج مطلق الحركة في التنقل بين الدول الأعضاء لغرض تحقيق مبدأ المواطنة الخليجية. لكن قررت أربع دول أعضاء في مجلس التعاون الخليجي وهي السعودية وقطر والكويت والبحرين المضي قدما في تطبيق مشروع الاتحاد النقدي الخليجي بدءا من عام 2010.
ختاما، من شأن تطبيق المشاريع التكاملية الاقتصادية المتنوعة تعزيز المواطنة الخليجية، الأمر الذي يصب في خدمة تحقيق الأهداف الاستراتيجية للمجلس بعد أكثر من ثلاثة عقود على إنشاء هذا الصرح الخليجي الشامخ.