التحركات السياسية الإيرانية
شهدت المنطقة في الشهرين الماضيين وحتى اليوم ارتفاع حدة الشد والجذب بين دول الخليج العربي وإيران، إثر تدخل الأخيرة في الشؤون الداخلية لدول المجلس، وتعدت النظرة والطموح الإيراني التدخل في الشؤون الداخلية لدول مجلس التعاون الخليجي إلى أن تُصرح بين الفينة والأخرى بحقها في دولة من دول المجلس، وتزعم أنها تابعة لها إدارياً، وذهبت أبعد من ذلك إذ خرج أحد كبار القيادات العسكرية في الجمهورية الإيرانية، وقال إن الجزيرة العربية والمنطقة كاملة ''ملك لإيران''؛ فكل هذه المعطيات تُنتج لنا وتوضح أن الحكومة الإيرانية ليس لديها ولا حتى الحد الأدنى من قاعدة ''حسن الجوار''، ولا نوايا سلمية لاستقرار المنطقة والعيش بسلام.
ومن المستغرب ما لوحظ يوم الأحد الماضي من زيارة لم يعلن عنها مسبقاً لوزير خارجية إيران علي أكبر صالحي إلى الإمارات، التي تُحتل منها ثلاث جزر من قبل إيران منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 1971 وهي: (جزيرة طنب الكبرى ـــ تبعد 75 كيلومترا عن إمارة رأس الخيمة وتبلغ مساحتها 91 كيلومترا، جزيرة طنب الصغرى ـــ تبعد عن جارتها الكبرى عشرة كيلومترات وتبلغ مساحتها 0.7 كيلومتر''، جزيرة أبو موسى ـــ تبعد 60 كيلومترا عن إمارة الشارقة وتبلغ مساحتها 20 كيلومترا)؛ وفي ظل الأحداث المتسارعة في المنطقة والعلاقات الملتهبة بين إيران ودول الخليج العربي تعتبر هذه الزيارة غريبة، ويُستنتج منها إما أن تكون هذه الزيارة بوادر انقضاء عهد إيراني وبدء آخر جديد في ضوء ما يحدث في إيران الآن من مشاكل، وخاصة فيما بين المرشد الأعلى لإيران علي خامنئي والرئيس محمود أحمدي نجاد بعد قيام الأخير بعزل رئيس الاستخبارات الإيراني حيدر مصلحي ورفض خامنئي هذا القرار وإعادة مصلحي لموقعه وإعطاء مهلة لنجاد، إما أن يعدل عن قرار إقالة مصلحي وإما ''يستقيل من منصبه كرئيس للجمهورية''، وارتفعت وتيرة الصِدام بين المرشد الأعلى والرئيس، حيث إن أتباع المرشد الأعلى سواء داخل البرلمان الإيراني أو الحرس الثوري يوجهون انتقادات شديدة للرئيس الإيراني ومدير مكتبه اسفنديار رحيم مشائي، الذي يُعتبر الشخصية الأكثر جدلاً داخل الأوساط الإيرانية المنتقدة لنجاد، ويقولون إنه لا يمكن لرئيس الدولة أن يواجه المرشد الأعلى بأي شكل من الأشكال، وإن مشائي هو من يؤثر في نجاد وفي قراراته بشكل كبير. وعلى الصعيد الشعبي حدثت مشادة بين أنصار المرشد الأعلى وأنصار الرئيس الإيراني سرعان ما تحولت إلى اشتباك نتج عنه بعض الجرحى. فبالإمكان أن تكون هذه الزيارة تمهيدا من خامنئي لعزل نجاد من منصبه وأن تفتح صفحة جديدة في تاريخ العلاقات الإيرانية ـــ العربية، ويمكن أن نرى أحد قيادات المعارضة يحل محل نجاد بعد أن ازداد مؤيدو موسوي وكروبي ''اللذين يقعان تحت الإقامة الجبرية'' وإذا ما كان هذا ممكنا فسنرى تحولا جذريا للأفضل في العلاقات الإيرانية ـــ العربية بشكل عام والإيرانية ـــ الخليجية بشكل خاص.
وبالإمكان أن تكون هذه الزيارة لها أهداف ''مبطنة''، حيث إنها تزامنت مع زيارة مقتدى الصدر لقطر، فلا يخفى على أحد أن إيران لا تحب العرب، وأكبر دليل ما تقوم به في ''الأحواز'' من محاولة طمس أي معلم يدل على عروبة هذه المنطقة، حتى أنها منعت الدراسة باللغة العربية، ووصل بها الأمر إلى أن تمنع انتشار المصحف الشريف واستبدلته بقرآن مترجم باللغة الفارسية؛ فبالإمكان أن تكون هذه الزيارة توجها سياسيا إيرانيا جديدا لمحاولة زرع الفتنة وتشتيت اللحمة والترابط للدول الخليجية من داخلها، ولكن لن تستطيع وبأي شكل من الأشكال أن تقوم بمثل هذه الأعمال لأننا ـــ بحمد الله ـــ وصلنا في مجلس التعاون الخليجي إلى ما يُطلق عليه ''بالوحدة''، فنحن مترابطون بشكل كبير سواء على الصعيد الشعبي أو السياسي أو العسكري ولا يمكن لأي قوة أن تعمل على تفكيك هذه الوحدة.
ودائماً دول الخليج العربي تسعى وتتمنى السلام والعيش بأمان، فنأمل أن يكون الجانب الإيراني يشاطرنا هذه الأمنيات وأن نعيش جنباً إلى جنب إخوة وأصدقاء دون التدخلات في شؤون البعض، وأن يُثبت الجانب الإيراني صدق نواياه بخصوص البرنامج النووي، وأن تسعى بكل جد إلى إنهاء احتلالها للأراضي الإماراتية.