المصالحة الفلسطينية .. من مكة المكرمة إلى القاهرة
في 27 من نيسان (أبريل) 2011 تم في القاهرة التوقيع بالأحرف الأولى على تفاهم ينهي خلافات "فتح" و"حماس" على اتفاق المصالحة الذي صاغته مصر، وتعثر لأسباب كثيرة مصرية وفلسطينية وأمريكية وإسرائيلية. فلا جدال في أن الشقاق بين فتح وحماس منذ انتخابات كانون الثاني (يناير) 2006 قد وضع القضية الفلسطينية على مسار التصفية، وهذا أحزن العرب جميعاً فالتمسوا كلٌّ بطريقته سبيلاً إلى مصالحة الإخوة في الوطن السليب، خاصة أن خلافاتهم على فتات في أرض محتلة مستهدفة من جانب إسرائيل التي تعد كل الفلسطينيين هدفا وأرضهم غنيمة مستردة. فكلما تفاقم الشقاق، كشفت إسرائيل عن كامل مشروعها في فلسطين. بدأت المحاولات العربية لتحقيق المصالحة بحضور جميع الفصائل في رحاب البيت الحرام في مكة المكرمة منذ سنوات، وأقسم الجميع أمام الكعبة على الصفاء والوئام، ولكن ما إن عادوا إلى فلسطين حتى احتدم الخلاف بينهم من جديد، رغم أن الاتفاق الذي وقعوه كان يكفل إعادة الأمور إلى منظمة التحرير وإنشاء حكومة للوحدة الوطنية تجسد الصوت الواحد في مواجهة إسرائيل.
عاد الصراع أشد مما كان، فاقتربت السلطة من إسرائيل على سبيل التنسيق الأمني، وبدا لحماس أن الاتفاق بين السلطة وإسرائيل يتعزز كل يوم للقضاء على المقاومة، وأن السلطة تراهن على إسرائيل للتخلص من حماس. كان واضحاً أن إسرائيل وواشنطن أفشلتا أول جهد سعودي لتحقيق المصالحة التي ظلت بعد ذلك هدفاً لكل اللقاءات العربية وجهود عربية أخرى من قطر واليمن والجزائر وليبيا وغيرها، ثم تولت مصر المهمة بمباركة عربية وسعودية.
ثم تعثرت المصالحة من جديد وتوترت العلاقات المصرية مع "حماس" حتى أدرك الفلسطينيون جميعاً أن استمرار الصراع هو ضد مصلحة الجميع، فكان تغير القيادة في مصر فرصة في ظروف ملائمة تم فيها التفاهم على كل نقاط الخلاف. ولكن إسرائيل وواشنطن سارعتا علناً إلى معارضة المصالحة، كما أن الأمم المتحدة قد باركت المصالحة بصيغة ملتوية، وهى ألا تؤدي المصالحة إلى إعاقة عملية السلام، بينما خيرت إسرائيل أبو مازن بين صداماتها والمصالحة مع "حماس" في الوقت الذي هددت فيه واشنطن بوقف مساعداتها للسلطة. من الواضح إذن أن المصالحة، وهى بداية العمل الجدي من أجل الحقوق الفلسطينية، تناقض استراتيجية إسرائيل وواشنطن التي تردد أنها تريد السلام، علماً بأن المصالحة هي التي تعيد السلام الحقيقي وتتجاوز أوهام السلام من خلال عملية عقيمة.
فهل معارضة إسرائيل وواشنطن للمصالحة تجعل المصالحة حبراً على ورق ما دامت إسرائيل تحتل الأرض وواشنطن تتحكم في الموارد المالية؟ الحق أن مجرد المصالحة دون تجسيد بنودها يحقق أكبر نفع للشعب الفلسطيني، وهو وقف الصراع بين "فتح" و"حماس" والتنسيق الأمني مع إسرائيل وهي إعلان أن الجميع في خندق واحد. ولكن السلطة ستقاوم الضغوط، وتشن حملة دبلوماسية للحصول على الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية الجديدة، فهل تسقط المصالحة إذا قدمت إسرائيل بعض التنازلات التي تفتح الباب من جديد أمام المفاوضات مع أبو مازن، وهل هدف المصالحة من جانبه هو تحقيق هذا الضغط، أم أنه قرر فعلاً أن يختار شعبه بعد أن وجد الهوان والضياع عند إسرائيل؟ هذا هو السؤال الجوهري في هذه القضية.