في أعقاب فوكوشيما: الإدارة الحكومية السيئة تفاقم الكارثة

في الثاني عشر من شهر نيسان (أبريل)، أعلنت وكالة سلامة الصناعة النووية اليابانية، بصورة رسمية، مستوى الحدة الجديد في وحدات توليد الطاقة النووية في فوكوشيما 1 التي دمرها الزلزال العنيف، والتسونامي في الحادي عشر من آذار (مارس). وأصبح الوضع يصنف عند المستوى السابع، وفقاً للمقياس النووي والإشعاعي الدولي، ومعايير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الأمر الذي يجعل خطورة هذا الوضع مساوية لما كانت عليه خطورة انفجار شرنوبل في عام 1986. وما إن بلغ مستوى الخطورة في فوكوشيما مستوى التهديد الخامس، حتى أصبحت خطورته تعادل خطورة حادث جزيرة ثري مايل الذي وقع في الولايات المتحدة في عام 1979، الأمر الذي يجعل للحادث الياباني نتائج تفوق مجرد المحيط الجغرافي له.
أصيب العالم ككل، وخصوصاً البلدان المجاورة لليابان بخيبة أمل، وتأخر المعلومات عن تطور الحادث من جانب الحكومة اليابانية. وشهد ضعف تعامل رئيس الوزراء الياباني، ناأوتو كان مع الكارثة، محاولة إدارة الرئيس أوباما للتدخل في عملية اتخاذ القرارات في المرحلة الأولى من هذه الكارثة.
فهل ستحاول الحكومة اليابانية التغطية على الأمور مرة أخرى بعد الإعلان عن مستوى الخطورة الجديد لهذه الكارثة، كما توقعه عدد من البلدان المجاورة لليابان، ولا سيما الصين؟ إن الأمر الذي يبدو للعيان هو أن هذا الحادث ينظر إليه كطريق لإصلاح أحوال التحالف الأمريكي الياباني المهتز، والذي يتعرض لعدد من المشاكل.
الواقع أن خطورة ما يحدث في اليابان لم تصل إلى حد خطورة حادثة شرنوبل، بل يمكن أن يصنف على أنه تطور أقرب إلى ما حدث في ثري مايل. والفرق هو أن قلب المفاعل النووي في شرنوبل انفجر، الأمر الذي أدى إلى وفاة 134 شخصاً نتيجة لمتلازمة الإشعاع النووي. وأما في اليابان، فكان الأذى الذي لحق بالمفاعلات سبباً لانتشار مواد ملوثة بالإشعاعات دون حدوث انفجارات في المفاعلات ذاتها. وبثت حادثة شرنوبل حوالي 5.200.000 مادة مشعة في البيئة المحيطة، بينما كانت المواد المشعة الناجمة عن الحادث الياباني بين 370.000 إلى 630.000 مادة.
سبق لدينيس فلوري، نائب مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ورئيس قسم السلامة والأمن النووي فيها، أن صنف مستوى الخطورة في الموقع الياباني بأنه بلغ ست درجات، وذلك في الثاني عشر من نيسان (أبريل)، حيث كان ينتقد مبالغة اليابانيين في التصنيف. ووافقه باتريك غورميلون، مدير حماية العناصر البشرية في وكالة الطاقة النووية الفرنسية، في هذا الرأي. وهذه وجهة نظر سائدة ومقبولة لدى غالبية كبيرة من خبراء الطاقة النووية في العالم، مع استثناء ملحوظ للولايات المتحدة.
يفيد هذا الاختلاف في الرأي بأن الحكومة اليابانية استسلمت لضغوط إدارة أوباما التي تواجه الآن ضغوطاً متزايدة من جانب الكونغرس بخصوص النفقات الكبرى التي خصصت للتعامل مع الكارثة النووية في اليابان. وتأتي هذه الضغوط في وقت يتأزم فيه الوضع بخصوص النقاشات المتعلقة بإقرار الميزانية الأمريكية. وكلما ارتفعت درجة خطورة الوضع، تحسنت فرص إدارة أوباما في تبرير تخصيص النفقات، كما أن ذلك يمكن أن يساعد أولئك الذين اتهموا رئيس وزراء اليابان ''بالتغطية على تفاصيل خطورة'' هذه الكارثة النووية.
وسيتمكن رئيس وزراء اليابان من خلال ارتفاع مستوى خطورة الحادث من تحقيق الاستقرار في علاقات بلاده مع واشنطن. ولكن اليابانيين سيعانون مزيدا من الشائعات بخصوص التلوث الإشعاعي في بلادهم.
الحقيقة هي أن من غادروا أماكن سكنهم بسبب هذه الكارثة هم أشد من يعانون من سوء إدارة رئيس الوزراء الياباني لهذه الأزمة. وكان هنالك إجلاء إلزامي في بداية الأمر لأولئك الذين يقيمون ضمن مسافة 20 كم من المفاعل، كما ترك الخيار في الإخلاء لأولئك الذين يقيمون على مسافة تتراوح بين 20 – 30 كم منه. وأصبحت عمليات الإخلاء في وقت لاحق تستهدف إبعاد الناس عن أي مجال جوي يحتمل أن تكون قد وصلت إليه الإشعاعات.
اعتمدت الحكومة اليابانية في تبرير خطط الإخلاء على الربط بين المواقع التي يتم إخلاؤها، والمسافة التي تفصلها عن موقع الكارثة، حيث كانت تتراجع مستويات الإشعاع بين المركز ومناطق الأطراف الأبعد. غير أن العارفين بالأمور، داخل اليابان وخارجه، يعرفون أن التلوث الإشعاعي لا يرتبط فقط بعامل المسافة، بل كذلك بظروف جوية، وطبوغرافية متعددة. وهكذا فإن مناطق على بعد 20 كم من المفاعلات تظل آمنة من حيث السكن، بينما يمكن أن تكون مناطق على بعد 30 كم منها غير آمنة بسبب مستوى التلوث المرتفع فيها. وكانت لدى الحكومة اليابانية بيانات كثيرة من جهة التتبع المختصة، ولكنها لم تكشف عن تلك المعلومات إلا في الثالث والعشرين من شهر آذار (مارس).
يبدو أن الحكومة اليابانية أخفت تلك البيانات، طوال تلك الفترة، لأسباب تتعلق بإدارة عمليات الإخلاء من المناطق القريبة من المفاعلات النووية، وذلك إضافة إلى وجود عوامل سياسية ذات علاقة بهذا الأمر.
من المؤكد أنه كان من سوء الحظ لليابانيين أن تواجههم مثل هذه الكارثة التي حلت بهم في الحادي عشر من شهر آذار (مارس). غير أنهم يعانون ذلك من كارثة بشرية تمثلت في الإدارة السيئة للأزمة من قبل الحكومة التي صوتوا لها في جو من الإثارة في انتخابات صيف عام 2009. ويبدو أن فوكوشيما ليست فقط كارثة نووية، وإنما هي كذلك كناية سياسية عن هذه الأزمة كذلك.

خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: Opin ion Asia

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي