Author

مقدمة في النقود

|
من المسائل التي تجول بخاطري كثيراً مسألة أصل هذه النقود وكيف تطور الورق إلى أن أصبح ذا قيمة نقدية, وهذه الورقة يمكن أن تشتري لك كل شيء حتى قلوب الرجال كما يقال, ولذلك تعتبر النقود من أعظم الأشياء التي اكتشفتها البشرية بديلا عن نظام المقايضة ( السلعة مقابل السلعة), وبرزت أهمية النقود مع التطور الاقتصادي خلال العصور القديمة والمعاصرة, حتى إن الاقتصاد المعاصر يسمى أحياناً اقتصاد النقود. وتوضيحاً للقارئ الكريم نقول: إن النقود هي كل ما يلقى قبولاً لدى الناس للقيام بالوظائف الثلاث وهي: وسيط للتبادل التجاري, ومقياس للقيمة, ومخزن للقيمة. وكان النظام السائد على مر العصور ومنذ قديم الزمان قائماً على نظام المقايضة أي: تبادل السلعة بين الأفراد, لكن مع تعقد الحياة كانت هناك حاجة إلى إيجاد نظام أكثر تطوراً وقدرة على تلبية حاجات الأفراد المختلفة كوجود عملة ما تكون مقبولة لدى الآخرين, . لذلك تم الاعتماد الذهب والفضة كأساس للنظام الجديد, وتحول ذلك النظام إلى إصدار عملات معدنية مصنوعة من الذهب والفضة ثم النقود الورقية فيما بعد, وقبل الحرب العالمية الأولى كان معظم البنوك المركزية تدعم عملاتها وتقبل تحويل العملات الورقية إلى ذهب و أدى ذلك إلى زيادة الطلب الحاد على العملات الذهبية, وما يقابل ذلك من محدودية إنتاج الذهب, ما دفع الناس إلى البنوك لاستبدال العملة بالذهب عند حدوث مشكلة أو طارئ, ما دعا السلطات النقدية في العالم المالي إلى التدخل لمنع المضاربات على العملة. وكان للكساد الكبير عام 1929, الذي عصف بالعالم, واستمر حتى قيام الحرب العالمية الثانية, الأثر الكبير في اهتزاز نظام النقد الدولي, ما دعا الدول الكبرى إلى الاجتماع في بريتون وودز ووضع نظام نقدي جديد يسمح بحرية التذبذب بين العملات بهامش أكبر واعتماد الدولار كعملة احتياط دولية مع أن المعاهدة نفسها لم تنص على ذلك, وتمخض عن تلك المعاهدة قيام منظمات دولية جديدة مثل IMF والبنك الدولي وGATT وتسعير أونصة الذهب بـ 35 دولاراً, واستمر العمل بتلك المعاهدة طويلاً, وبدأت الاقتصادات الدولية المختلفة بالنمو بنسب متفاوتة خلال حقبة الستينيات, ما دعا الرئيس نيكسون إلى إلغاء التحويل إلى ذهب في عام 1971, وفقد الدولار أهميته كعملة وحيدة بسبب تزايد عجز الميزان التجاري والحساب الجاري للدول. لقد شهد العالم نمواً مطرداً في أسواق الصرف الدولية بعد أن حررت كثير من الدول اقتصاداتها, وسمحت بحرية نقل الأموال دون قيود أو عوائق, ولم يعد يجدي التدخل في الأسواق من السلطات النقدية في كل الدول, وباءت كل محاولات أوروبا بالفشل في توحيد العملة, أو تثبيت أسعار الصرف بين العملات الأوروبية المختلفة, وفي عام 1979 تم إنشاء آلية ضبط أسعار الصرف بين العملات الأوروبية European Monetary System ومن خلالها تم ضبط أسعار الصرف بين العملات المختلفة, لكن في عام 1993 أدت المضاربات على العملات الضعيفة في أوروبا إلى خروج بعضها من تلك الآلية. إن أكبر مشكلة واجهها العالم بعد عام 1971 عندما فك الارتباط بين الذهب وإصدار العملة وكان التضخم (تناقض القدرة الشرائية للعملة) هي النتيجة, حيث أصبحت الدول تطبع ما تحتاج إليه من عملة دون الحاجة إلى غطاء ذهب كما كان في السابق عندما تصدر النقود وفق ما تملكه من احتياطيات ذهبية (روسيا وجنوب إفريقيا أكبر منتجين في العالم), ما دعا أوروبا إلى فكرة توحيد العملة بعد أن فشلت كل محاولات تثبيت أسعار الصرف, وكان مولد اليورو في عام 2002. لكن هل كل النقود على نوع واحد؟ يمكن القول: إن النقود على أنواع ثلاثة هي: 1 ــ النقود السلعية ظهرت النقود السلعية كنتيجة لعيوب نظام المقايضة وعدم مواكبته التطور الاقتصادي واختلاف هذه النقود من دولة إلى أخرى, ففي مصر كان القمح, والتوابل في الهند, ثم وجد الإنسان في المعادن النفيسة خصائص تجعلها تقوم بهذا الدور أفضل من غيرها (كالثبات والصلابة والقبول العام) فظهرت المسكوكات الذهبية والفضية. 2 ــ النقود الائتمانية وهي لا تستمد قيمتها من ذاتها, لكن من قبول الأفراد لها في تعاملاتهم, ومرت بمراحل معينة, وأصبح لها رواج في الفترة الأخيرة. 3 ــ النقود الورقية ظهرت لتنوب عن الذهب والفضة مع تعهد السلطات النقدية المصدرة باستبدالها بقيمتها (وزن محدد) من المعدن النفيس, ثم أخذت السلطات النقدية في تخفيض قيمتها من المعدن النفيس إلى أن قطعت تماما علاقتها به. 4 ــ نقود الودائع وهي عبارة عن شيكات المصرفية (وتمثلها قيود دفترية بحسابات البنوك) وهي ذات قوة إبراء محدودة. 5 – النقود الإلكترونية وهي عبارة عن تحويلات إلكترونية من وإلى الحسابات البنكية, ويمثل هذا النوع التحويلات الإلكترونية المالية, ولا شك أن لهذا النظام مزايا عديدة لعل من أهمها خفض نفقات التشغيل اليدوي وتقليل استخدام الشيكات. هذه لمحة مهمة تثقيفية لمن أراد أن يعرف حقيقة النقود وأنواعها, خاصة مع كثرة الاستخدام اليومي لها, ومع كثرة الاضطرابات العالمية اليوم في عالم المال والأعمال يمكن تحديد كثير من المسارات الاقتصادية التي لا تُتخذ القرارات فيها إلا بعد وعي كامل بحقيقتها. وللحديث مزيد بقية..
إنشرها