التأمين الصحي الإلزامي ينبغي ألا يكون انتقائياً

تطبق بعض شركات التأمين سياسة انتقائية لمن تقوم بالتأمين عليهم تأميناً صحياً، فهي لا تحبذ التأمين على بعض الفئات، ولعل أهمها فئة كبار السن من المشمولين بنظام الضمان الصحي التعاوني.
والحقيقة؛ إن هذه الإشكالية تعود إلى ما كان معمولاً به في وثائق التأمين الصحي التي كانت مطبقةً في الماضي، وذلك وقت إقرار نظام الضمان الصحي التعاوني، فتلك الوثائق كانت تستثني صراحة العامل أو الموظف عند بلوغه سن 65 من التغطية التأمينية، وهذا في حقيقة الأمر خلق إشكالية كبيرة لمن تجاوزت أعمارهم الخامسة والستين.
وقد كانت ذريعة شركات التأمين آنذاك أن من يبلغ سن 65 لا تنطبق عليه صفة العامل أو الموظف، إذ إنه وفق وجهة نظر هذه الشركات يكون قد بلغ مرحلة التقاعد، وأصبح غير صالح للعمل وفق الأنظمة السعودية، وهذا التفسير غير المقبول كان ذريعة ــــــ في الحقيقة ــــــ لتملص شركات التأمين من التأمين على هذه الفئة خاصة ممن يحمل صفة العامل المقيم أي غير السعودي؛ لأن مخاطر التأمين الصحي عليهم عالية جداً، ويسبب لهذه الشركات في بعض الأحيان خسائر معتبرة، وهذا هو سر التبرير الذي تبناه كثيرٌ من شركات التأمين، مما قاد في السابق إلى حرمان كثير من الشركات والمؤسسات من خدمات الموظفين من ذوي الكفاءات العليا ممن يعملون لديها كخبراء ومستشارين ومدربين؛ لأن عدم التأمين عليهم يعني عدم حصولهم على إقامة أو تجديد إقاماتهم.
وبالنسبة لنظام الضمان الصحي التعاوني فهو واضح وصريح في هذه المسألة، إذ ينص على أن كل من يكفل مقيماً فهو ملزم بالتأمين عليه، وعلى من يعولهم هذا العامل، ولم يضع النظام حدوداً عليا للسن، ولذلك فقد جاءت الوثيقة الموحدة للضمان الصحي التعاوني التي تم العمل بها فيما بعد كبديل للوثيقة السابقة خالية من شرط الحد الأعلى للسن ومنسجمة أكثر مع نظام الضمان الصحي التعاوني ولائحته التنفيذية، وأصبحت شركات التأمين ملزمة بالتأمين على المشمولين بنظام الضمان الصحي التعاوني (الإلزامي) بغض النظر عن أعمارهم.
كما أن عدد أفراد هذه الشريحة قليل بالمقارنة بعدد العاملين المشمولين بالنظام، وغالبية من ينتمي إلى هذه الشريحة يمارس أعمالاً مهمة وقيادية في بعض الأحيان، ومنهم من يحمل خبرات وظيفية ومهنية عالية.
ومع اعتبار حسابات الربح والخسارة، فإنه ينبغي لشركة التأمين أن تأخذ في حسبانها معدل الكسب الذي ستجنيه من الشرائح الأخرى، أي من مجموع المستفيدين من التأمين، وألا يتوقف قرارها في التأمين من عدمه على وجود نسبة ضئيلة ممن تتجاوز أعمارهم الستين أو الخمسة وستين عاماً، ففي الغالب أنه حينما يتقدم أرباب الأعمال بالتأمين على عمالتهم، فإنه قد يوجد من ضمنهم شخص أو شخصان ممن تجاوز سنهم الخامسة والستين، فهؤلاء لا يمثلون لها معدل خسارة بالقدر الذي ستجنيه من الفئات السنية الأخرى للموظفين الذين يشملهم طلب التأمين.
وأعتقد أنه ليست هناك أي مشكلة بالنسبة لشركات التأمين في هذه الحالة، ولكن المشكلة تكمن فيما لو أن عدد المشمولين بطلب التأمين قليل جداً، أو أن المطلوب التأمين عليه فقط فرد أو فردان، وسنُّهم تجاوز الخامسة والستين.
وأرى في هذه الحالة أنه لا خيار لشركة التأمين برفض التأمين عليهم؛ لأن ذلك يُعد مخالفة للنظام.. وفي المقابل، فإن لها الحق في أن تكون أسعار التأمين عليهم أعلى من تلك الموضوعة للعمالة ذات الأعمار المتوسطة، وأن من حقها كذلك التحقق بشكل أكثر دقة من حالتهم الصحية قبل التأمين عليهم واحتساب سعر تأميني متوافق مع المخاطر المرتبطة بالتأمين عليهم دون مبالغة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي