جسر أبحر .. ليس من الأولويات

طالعتنا جريدة ''المدينة'' يوم السبت الماضي 21/4/1432هـ بخبر عن عزم أمانة محافظة جدة تنفيذ مشروع جسر أبحر المعلق العام المقبل بطول يبلغ نحو 500 متر، وتكلفة إجمالية قد تصل إلى (800-900) مليون ريال. ويبدو من سياق الخبر أن ذلك المشروع قد بدأ يكتسب قوة دفع ذاتية جديدة بعد سكون دام لأكثر من خمس سنوات مضت منذ أن سمع به الناس عبر وسائل الإعلام. إذ تضمن الخبر لقطات لتصميم الجسر، وصورة جوية للمسار المقترح، وحديثاً عن نزع ملكيات وحرم الطريق وغيرها من الأمور المهمة. ولعل اللافت للانتباه في ذلك الخبر ليس جمال التصميم وبراعة الفكرة، أو التكلفة التقديرية للمشروع، بل التوقيت الذي اختير لنشره.
إن الإفصاح المبكر من قبل الأمانة عن المشروعات التي تنوي تنفيذها أمر يحمد لها ولأمينها الجديد، كما أنه ينسجم مع توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للارتقاء بمستوى الشفافية في برامج ومشروعات الحكومة، والحكمة في ذلك واضحة. على أن الخبر الذي نشرته ''المدينة'' ليس هو الإفصاح الأول عن مشروع الجسر، إنما سبق أن تناوله عدد من المراقبين بإبداء الرأي، ومن بينهم كاتب هذه السطور، على صفحات الجرائد، منذ عدة سنوات.
ففي مقالة نشرتها ''الاقتصادية'' بتاريخ 14/2/1427هـ، دعوت إلى صرف النظر عن فكرة إنشاء الجسر، والاستغناء عنه ببدائل أقل تكلفة، وأقل ضرراً على البيئة. إذ إن بناءه لن يحقق الهدف الذي سينشأ من أجله في المدى الطويل، فلن يكفي جسر واحد لنقل كل الحركة المتوقعة مستقبلاً إذا أُخذت في الاعتبار مساحة الأراضي الممتدة شمال خليج أبحر، ما يدعو إلى إضافة جسور أخرى, وهو ما يعني خنقاً تدريجياً للشرم وحرمان جدة من نافذة هي في أمس الحاجة إليها. ثم إن تجميع حركة السيارات القادمة للطرف الجنوبي الشرقي للجسر المقترح، سواء كانت عبر طريق الملك عبد العزيز أو عبر طريق المدينة عند تقاطع جسر صالة الحجاج, سيؤدي إلى خنقهما في الوقت الذي يشكل فيه كل منهما محوراً أساسا بين وسط المدينة وشمالها.
وقد طرحت في تلك المقالة بدائل للجسر أكثر كفاية منه على المدى الطويل وأقل تكلفة. من بين تلك البدائل التي تقدم نفسها في ذلك الإطار إنشاء جسر أو اثنين لنقل الحركة مباشرة من طريق المدينة المنورة السريع (عند مفرق الرحيلي وما بعده) إلى الطرق السريعة الموجودة على الطبيعة حالياً وتخترق من الشرق إلى الغرب المخططات الواقعة في شمال أبحر بشكل متوازن. ويتميز ذلك البديل بقلة تكلفته إنشائياً مقارنة بالجسر المقترح بين ضفتي الشرم، سهولة صيانته، إمكانية توسعته مستقبلاً، عدم تداخله مع ملكيات خاصة وما يترتب على ذلك من تعويضات، عدم اقتطاع أي جزء من واجهة جدة البحرية، ثم والأهم من ذلك أن تأثيره في البيئة سيكون محدودا.
ذلك الرأي تم طرحه قبل سنوات من حدوث كارثة سيول جدة، يوم أن كانت أولويات المدينة قضية غير واضحة المعالم لدى البعض. أما وقد انكشف المستور إثر الكارثتين المتتاليتين، فقد بات هناك إجماع على أولويات البرامج والمشروعات التي تحتاج إليها جدة، ليس من بينها بالطبع مشروع جسر أبحر. وما يدعو أيضاً إلى إعادة النظر في ذلك المشروع أن وزارة النقل باشرت منذ فترة في إنشاء عدد من الجسور المتقاطعة مع طريق المدينة السريع لنقل الحركة إلى المخططات الجديدة في شمال أبحر، وهي خطوة يمكن تطويرها والتوسع فيها، إذا ظهرت الحاجة لذلك، بتكلفة معقولة.
إنني أدرك أن الاعتمادات المالية المخصصة لمشروع جسر أبحر، أياً كان مبلغها، لا علاقة لها بمشروعات البنية الأساسية أو المشروعات الأخرى الكبرى لمعالجة مشكلة السيول وتصريف الأمطار في جدة, التي أمر خادم الحرمين الشريفين بتنفيذها بشكل عاجل. لكن تبقى هناك احتياجات أخرى في المدينة أحسب أنها ليست غائبة عن نظر المسؤولين في الأمانة قد تكون أولى بذلك المبلغ من مشروع الجسر. ومن بين ما يتبادر إلى الذهن من تلك الاحتياجات هو الاستثمار في تطوير بعض المواقع لخدمة الفعاليات السياحية، إذ إن ذلك الاستثمار سيكون مردوده على المجتمع أعلى من مردود الجسر من خلال توفير فرص عمل جديدة، وتنشيط الحركة الاقتصادية في المدينة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي