الأمر الملكي .. أداة للحسم والإنجاز

أشاد كثير من الكتاب والمعلقين والمحللين الاقتصاديين - وبحق - بالأوامر الملكية التي أصدرها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وأعلنت يوم الجمعة 13/4/1432هـ الموافق 18/3/2011؛ لأنها تهدف إلى معالجة أسباب البطالة وتحسين مستوى معيشة المواطن.
وقدَّر بعض الكتاب المبالغ المخصصة لتنفيذ هذه الأوامر بأكثر من 400 مليار ريال، منها 250 مليار ريال لبناء 500 ألف وحدة سكنية تتولى تنفيذها الهيئة العامة للإسكان، مع رفع الحد الأعلى للقرض السكني الذي يقدمه صندوق التنمية العقارية من 300 ألف ريال إلى 500 ألف ريال، وتخصيص مبلغ 16 مليار ريال للرعاية الصحية وتوسعة المدن الطبية. واستحداث 60 ألف وظيفة عسكرية تتبع وزارة الداخلية، وترقية المستحقين من الضباط والأفراد للرتب العسكرية التالية، وتوفير الأموال اللازمة لتوفير الإسكان لجميع منسوبي الجهات العسكرية، وتخصيص مبلغ 500 مليون ريال لترميم المساجد والجوامع في كل المناطق، و300 مليون ريال لدعم مكاتب الدعوة والإرشاد في وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، وتخصيص مبلغ 200 مليون ريال لدعم جمعيات تحفيظ القرآن الكريم و200 مليون ريال لدعم مقار هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإحداث 500 وظيفة تابعة لوزارة التجارة والصناعة لمراقبة الأسواق من ناحية الأسعار وجودة جميع السلع في مناطق ومدن وقرى المملكة كافة. كما تقرر صرف راتب شهرين لجميع موظفي الدولة من مدنيين وعسكريين وطلاب وطالبات التعليم العالي الحكومي وصرف مبلغ ألفي ريال شهريا للباحثين عن العمل في القطاعين العام والخاص.
كما تقرر بأن يكون الحد الأدنى لرواتب جميع فئات العاملين في الدولة من السعوديين ثلاثة آلاف ريال شهريا، والتأكيد على عزم الدولة على المسارعة الفاعلة والجادة في سعودة الوظائف، وأن يقوم القطاع الخاص بواجبه الوطني في هذا الشأن على أكمل وجه. وقرر الملك أيضا إنشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد ترتبط به مباشرة وتعيين رئيس لها بمرتبة وزير، ويدخل في اختصاصها متابعة أوجه الفساد الإداري والمالي في جميع القطاعات الحكومية دون أي استثناء وتكليف لجنة مكونة من رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ورئيس هيئة الخبراء في مجلس الوزراء لوضع التنظيم الخاص بهذه الهيئة، على أن يصدر من مجلس الوزراء خلال ثلاثة أشهر من تاريخ صدور الأمر الملكي الخاص بإنشاء هذه الهيئة.
بعد هذا السرد الموجز لأبرز مضامين الأوامر الملكية التي بلغ عددها 20 أمرا، أود الإشارة إلى أن الملك استخدم وسيلة الأمر الملكي وليس المرسوم الملكي لإنجاز الأهداف الاقتصادية والاجتماعية التي تضمنتها هذه الأوامر. ولغير المتخصصين في المجال القانوني أقول إن الأمر الملكي والمرسوم الملكي يتفقان في أن كل منهما هو قرار مكتوب يصدره الملك في شكل معين بوصفه رئيس الدولة، ولكن يختلفان من حيث إن الأمر الملكي يتناول موضوعا ينفرد الملك بالبت فيه من دون عرضه على مجلس الوزراء أو مجلس الشورى، فمثلا طبقا للمادة (66) من النظام الأساسي للحكم يصدر الملك في حالة سفره إلى خارج المملكة أمرا ملكيا بإنابة ولي العهد في إدارة شؤون الدولة ورعاية مصالح الشعب، كما أنه طبقا لمواد أخرى من النظام المذكور يتم تعيين الوزراء وموظفي المرتبة الممتازة والقضاة والضباط وإعفاؤهم من مناصبهم بأوامر ملكية.
أما المرسوم الملكي فيصدره الملك إما بعد موافقة مجلس الوزراء على موضوعه، مثل الموافقة على الميزانية السنوية للدولة، وإما يصدره بعد موافقة مجلس الشورى ومجلس الوزراء مثل الأنظمة والمعاهدات والاتفاقيات الدولية والامتيازات، حيث يجب اعتمادها بموجب مرسوم ملكي بعد موافقة مجلس الشورى ومجلس الوزراء عليها.
ومما تقدم يتضح أن إجراءات صدور المرسوم الملكي تستغرق وقتا أطول من إجراءات صدور الأمر الملكي؛ ولذلك فقد يجد الملك أن موضوعا معينا وإن كان في الأصل يقتضي البت فيه بموجب مرسوم ملكي إلا أن المصلحة العامة تستوجب حسمه دون أي تأخير فيتخذ عندئذ الأمر الملكي وسيلة للحسم والإنجاز السريع، فمثلا تم صدور نظام مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة بموجب أمر ملكي، مع أن الأصل في الأنظمة أن تصدر بموجب مرسوم ملكي، وفي ذلك دلالة على أن المصلحة العامة كانت تقتضي إصدار هذا النظام دون أي تأخير وأن موضوعه يتسم بأهمية كبرى، كذلك الأمر بالنسبة للموضوعات التي تناولتها الأوامر الملكية الأخيرة والتي يستلزم إنجازها رصد وصرف مبالغ مالية، فإن الأصل في الإنفاق المالي أن يكون بموجب أحكام الميزانية التي تصدر بمرسوم ملكي، إلا أن الملك قدر أن المصلحة الوطنية العليا تستوجب عدم التأخير في إنجاز هذه الموضوعات الحيوية والتنموية فقرر حسمها بأوامر ملكية. ومما يؤكد الأهمية الكبرى لمضامين هذه الأوامر الملكية أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وجّه خلال ترؤسه جلسة مجلس الوزراء يوم الإثنين 16/4/1432هـ جميع الوزراء والمسؤولين المعنيين بتنفيذ تلك الأوامر بصورة عاجلة.
وفي الختام نسأل الله تعالى أن يحفظ وطننا الغالي ويجعله دائما آمنا مطمئنا يأتيه رزقه رغدا من كل مكان، وأن يمد قيادته بالعون والتوفيق والسداد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي