مأساة ليبيا ومحنة الأوطان العربية

المعادلة التي تطرحها المأساة الليبية هي نفسها التي سبق أن حذرنا منها في كل المناسبات، وهي أن الحاكم العربي يرتكب أخطاء قاتلة في حق وطنه وشعبه ومواطنيه وأمته، ويحيط به الفاسدون والمطففون فيعمى عن رؤية الحقيقة، فإذا صفعته هذه الحقيقة بعدد من النذر، أقنعته حاشيته بأنه فوق الحساب والنقد، ولا يدرك الحاكم أن سكوت الشعب ليس سببه الرضى، وإنما سببه القهر، فإذا تحالف القهر والظلم والفساد والانحراف وتلاشي الأمل في يوم جديد، لم يعد أمام الشعب إلا المواجهة مهما كان الثمن، أو الاستعانة بالخارج. هذان الخياران ظهرا في المنطقة العربية في أربعة أمثلة، المثال العراقي والليبي، وربما يلحق بهما المثال اليمني وعلى الجانب الآخر هناك النموذجان المصري والتونسي، وربما يجعل الأمل في استعادة العالم العربي لتوازنه أمراً بعيد المنال. هذا المشهد العربي المحزن يبدأ بظلم الحاكم وقمع شعبه، فإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم، وصورت له بطانته الأمر على أنه قلة حاقدة مندسة، ولا تفلح في التمييز بين الفئات المندسة والشعور الشعبي العام. وقد قدم النصح لكل الرؤساء العرب، ولكن الحاكم العربي يستعلي على النصح وتكبر عنده عقدة العصمة والأنا، فلايرى إلا نفسه ولا يرى إلا رأيه صوابا. وقد كتبنا كثيراً في مخاطر ذلك على الأوطان العربية بأن تلك آفة العالم العربي، وأن حل الإشكال إما بحاكم عادل قريب من شعبه أو أن يقبل ما تجربه عليه الأيام. فإذا كان مبارك قد غادر قبل انزلاق مصر إلى مواجهة الشعب مع جيشه الوطني، كما حدث في تونس بن على، فإن صدام حسين قد قامر فتعرض العراق لما نراه، وتعرض صدام نفسه لما لم يتوقعه في الكوابيس. والخط الفاصل في الثورات العربية بين بر الأمان والخطر على الوطن، هو أن الحاكم الذي لا يتصور وطنه بلا وجوده، وأنه هو مصدر الحياة والموت فيه يبدأ في إراقة دماء شعبه بأيدي قوات الشعب فتصبح تسوية الموقف بينه وبين شعبه مستحيلة ما دام الثأر قد حل محل الخلاف في الرأي. وليس معنى ذلك أن يرحل الحاكم لمجرد أن بعض شعبه يطالب بذلك، كما أن إراقة الدماء قد تكون مشروعة إذا تعرض الوطن لمؤامرة ضد كل الشعب، وهذه هي المشكلة لأن الحاكم الذي لا يخالط شعبه لا يستطيع التمييز بين لحظة الحقيقة فيصدع لها وزيف الرؤية وضلال المشورة. في ليبيا كبر على حاكمها أن يرى أن شعبه يريد إصلاحا مادام يرى نفسه المصلح الأكبر والناصح الأمين للأمة كلها والحكيم الهادئ إلى أقوم السبل، فعمد إلى الانتقام من شعبه وجلده لهم بكل السبل، فاستغاث الناس من ظلم الحاكم، وعجز العرب عن نجدتهم، وطلبوا النجدة كما حدث بعد غزو العراق للكويت عام 1990 من الخارج فأقبل الخارج للنجدة ولكن وفق أجندته، والنتيجة قسمة المصير بين نجدة المظلوم، وضياع الوطن، فهل المشكلة في ظلم الحاكم أم تعنته وقتله لشعبه، أم في طلب النجدة، أم في عجز العالم العربي، أم في قوى الخارج التي تخصصت في النجدة في إطار مصالحها، أم في سوء التكوين والتربية عند بعض الحكام، أم في فساد البطانة، أم في العولمة التي أيقظت الشعوب، أم في عمى بعض الحكام عن رؤية الحق والباطل باطلاً، أم في كلها جميعا.
ابحث معي عن الإجابة الصحيحة في هذه الإجابات العشر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي