ليست كلها مسامير

في عام 1964 غرقت الناقلة العملاقة "الكويت" في ميناء الكويت، وكانت تحمل على سطحها 6000 رأس من الغنم، ونتجت عن ذلك مشكلة ضخمة أحدثت قلقا للعديد من الجهات الحكومية؛ لأن ترك هذه الشحنة غارقة في مياه الخليج سيؤدي إلى تعفن الماشية، ما يشكل خطراً كبيراً على البيئة، خاصة أن هذا الميناء كان يستخدم مصدرا لمياه الشرب، لذلك كان على المسؤولين أن يفكروا في طريقة مبتكرة لرفع هذه الناقلة العملاقة من قاع الخليج بدون أن تتحطم أو تتسرب شحنتها إلى المياه، وبعد تفكير طويل ابتكر أحد المهندسين الأوروبيين حلا رائعاً فماذا فعل؟ لقد قام بضخ 27 مليون كرة تنس طاولة (بيج بونج) داخل الشاحنة العملاقة، ما أدى إلى ارتفاعها إلى سطح المياه بدون أي أضرار، ولكن كيف توصل هذا المهندس إلى ذلك الحل الإبداعي؟
بفضل قراءته إحدى مغامرات الرسوم الكرتونية في إحدى مجلات ديزني شاهد قصة تتحدث عن تعرض "بطوط" لغرق مركبه واستخدامه كرات البنج بونج لرفعه عن سطح المياه!
يخفق الناس غالبا في التوصل إلى نوعية هذا الحل في قضاياهم الحياتية والعملية والمالية؛ لأنهم نادرا ما يفكرون في آليات جديدة غير تلك الآليات والأساليب التقليدية التي اعتادوا اللجوء إليها، ويفسر هذا الإخفاق بميل الأفراد إلى التمسك بالاستعمالات المألوفة للأفكار والأساليب التقليدية التي برمجوا عليها منذ الصغر، وهؤلاء هم من يقصدهم ماسلو بعبارته "إذا كانت المطرقة هي الأداة الوحيدة لديك، فإنك تميل لرؤية كل مشكلة على هيئة مسمار"، لذلك يعتبر علماء التفكير بأن هذا الجمود الفكري أو "الثبات الوظيفي Functional Fixedness" لاستخدام الأفكار هو من أكبر معوقات الإبداع، فعندما تترسخ لدى الفرد أنماط وأبنية ذهنية معينة كانت فعالة معه في مواقف عديدة سابقة، فإنه غالبا ما سيميل إلى الاعتماد عليها في المواقف القادمة، وسيتجاهل استراتيجيات أخرى قد تكون أكثر ربحا وفعالية لمجرد التمسك بالتفكير النمطي (التفكير المقيد بالعادة Habit-Bound Thinking) الذي اعتاد استخدامه فيما مضى، وهذا ما يجعل عامل الثقة بالنفس من أول العوامل في تطوير التفكير الإبداعي لدى الشخص؛ لأن ضعف الثقة يقود الفرد إلى الخوف من الإخفاق وتجنب المخاطرة والمواقف غير المأمونة عواقبها، ويجعله أكثر ميلا للبقاء في دائرة ردود الفعل لما يدور حوله، ويتخلى عن اقتحام مجالات مجهولة جديدة، كما أن النزعة للامتثال إلى المعايير السائدة والميل للمجاراة Conformity تعيق استخدام جميع المدخلات الحسية، وتحد من احتمالات التخيل والتوقع، ومن ثم تضع حدودا للتفكير الإبداعي، ولأنك لا تعرف أبدا من أين يمكن أن تأتيك الحلول العبقرية لمشاكلك، فلا تستهن بأي مصدر لابتكار الحلول، ولا تسجن تفكيرك في نمط واحد، ولا تقيد حياتك بخيارات محدودة. وصدق نيلسون مانديلا في مقولته الرائعة التي أؤمن بها جدا، وهي: "نحن نقتل أنفسنا حين نضيق خياراتنا".
إن الاحتياج الأول إلى الشركات والمؤسسات الموجودة في سوق اليوم هو استقطاب هؤلاء العاملين غير المنغلقين في حدود الأنماط التقليدية للتفكير، الذين يمكنهم التوصل إلى المواقف المثالية لشركاتهم عن طريق الحلول المبتكرة، وهذا ما يجعل "التفكير خارج الصندوق" هو العبارة البراقة للألفية القادمة والتحدي الأول للأفراد لتمكينهم من امتلاك القدرة على مواجهة تحديات المستقبل عبر تخطي الاستجابات التقليدية للتفكير بما يكفي للعمل على المتطلبات التي يولدها عصر ثورة المعلومات المتجدد دوما.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي