الوضع القانوني الدولي للمجلس الوطني الانتقالي الليبي

اتخذ مجلس جامعة الدول العربية قراراً مهما يعتبر الأول من نوعه، إذ أسقطت الجامعة بموجبه الشرعية عن حكم العقيد معمر القذافي بسبب استخدامه القوة المفرطة ضد الشعب الليبي, الذي بدأ ثورته بطريقة سلمية, لكن الممارسات الوحشية لنظام القذافي اضطرته إلى حمل السلاح للدفاع عن نفسه. ونظراً للأهمية التاريخية والقانونية لقرار المجلس المذكور, فإنني أسرد هنا نصه الحرفي كما نقلته بعض وسائل الإعلام على النحو التالي:
''إن مجلس الجامعة على المستوى الوزاري في دورته غير العادية المنعقدة بتاريخ 12/3/2011 في مقر الأمانة العامة في القاهرة.
- وبعد التداول فيما آلت إليه الأوضاع الخطيرة في ليبيا وتداعياتها، وما ترتكبه السلطات الليبية من جرائم وانتهاكات ضد أبناء الشعب الليبي، خاصة إقدامها على استخدام الطيران الحربي والمدافع والأسلحة الثقيلة ضد المواطنين.
- وإذ يأخذ علماً بالمشاورات والاتصالات الجارية في مجلس الأمن وبالمواقف الصادرة عن مجلس التعاون لدول الخليج العربية والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي.
- وإذ يأخذ في الاعتبار تعيين الأمين العام للأمم المتحدة مبعوثاً رفيع المستوى لمتابعة المشكلات الإنسانية في ليبيا.
- وإذ يؤكد على ما جاء في قراره رقم 7298 بتاريخ 2/3/2011, وكذلك بالبيان الصادر عن مجلس الجامعة بتاريخ 22/2/2011.
- وإذ يؤكد على ضرورة احترام القانون الدولي الإنساني والمطالبة بوقف الجرائم تجاه الشعب الليبي وإنهاء القتال، وسحب قوات السلطات الليبية من المدن والمناطق التي دخلتها عنوة، وضمان حق الشعب الليبي في تحقيق مطالبه وبناء مستقبله ومؤسساته في إطار ديمقراطي.
- وإذ يذكر بالتزامه بالحفاظ على وحدة الأراضي الليبية وسلامتها الإقليمية واستقلالها السياسي، وكذلك السلم الأهلي وضمان سلامة وأمن المواطنين الليبيين والوحدة الوطنية للشعب الليبي واستقلاله وسيادته على أرضه ورفضه كل أشكال التدخل الأجنبي في ليبيا، والتأكيد على أن عدم اتخاذ الإجراءات اللازمة لإنهاء هذه الأزمة سيؤدي إلى التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية الليبية.
يقرر:
1- الطلب من مجلس الأمن تحمل مسؤولياته إزاء تدهور الأوضاع في ليبيا، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بفرض منطقة حظر جوي على حركة الطيران العسكري الليبي فورياً، وإقامة مناطق آمنة في الأماكن المتعرضة للقصف، كإجراءات وقائية تسمح بتوفير الحماية لأبناء الشعب الليبي والمقيمين في ليبيا من مختلف الجنسيات، مع مراعاة السيادة والسلامة الإقليمية لدول الجوار.
2- التعاون والتواصل مع المجلس الوطني الانتقالي الليبي وتوفير الدعم العاجل والمستمر للشعب الليبي وتوفير الحماية اللازمة له إزاء ما يتعرض له من انتهاكات جسيمة وجرائم خطيرة من جانب السلطات الليبية الأمر الذي يفقدها الشرعية.
3- تجديد الدعوة للدول الأعضاء والدول الصديقة والمنظمات الدولية وهيئات المجتمع المدني العربية والدولية إلى تقديم المساعدات العاجلة للشعب الليبي ومساندته في هذه الفترة الحرجة من تاريخه عبر مختلف القنوات وتوجيه الشكر للدول والهيئات التي تقوم بتقديم مثل هذه المساعدات العاجلة، ومساندته في هذه الفترة الحرجة من تاريخه عبر مختلف القنوات وتوجيه الشكر للدول والهيئات التي تقوم بتقديم مثل هذه المساعدات العاجلة، وكذلك للدول التي تسهم في إجلاء المواطنين العرب الذين يرغبون في مغادرة ليبيا.
4- مواصلة التنسيق إزاء الموقف في ليبيا مع الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي ومنظمة المؤتمر الإسلامي وكذلك مع الاتحاد الأوروبي).
من جهة أخرى أكد وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي، الذي ترأس اجتماع المجلس أن طلب فرض حظر جوي على الأجواء الليبية لا يعني التدخل العسكري, وأنه مجرد إجراء وقائي لحماية الشعب الليبي من القصف الجوي, كما أكد ذلك أيضاً عمرو موسى، الأمين العام لجامعة الدول العربية الذي قال أيضاً إن (إقرار التعامل مع المجلس الوطني الانتقالي هو اعتراف به)، ولفت الانتباه إلى أن الأوضاع الدموية في ليبيا نزعت الشرعية من نظام القذافي. وجدير بالذكر هنا أن بيان المجلس الوزاري لمجلس التعاون الخليجي الذي صدر عقب اجتماعه يوم الخميس 10/3/2011م أكد (عدم شرعية النظام الليبي القائم، وضرورة إجراء اتصالات مع المجلس الوطني الانتقالي).
وأعلنت فرنسا اعترافها بالمجلس الوطني الانتقالي باعتباره (الممثل الشرعي الوحيد) للشعب الليبي وأنها سترسل سفيراً إلى بنغازي قريباً، ورداً على ذلك قطعت حكومة القذافي العلاقات الدبلوماسية مع فرنسا. أما الاتحاد الأوروبي فقد أعلن اعترافه بالمجلس المذكور باعتباره (محاوراً سياسياً).
في ضوء ما سبق يثور التساؤل حول الوضع القانوني الدولي للمجلس الوطني الانتقالي في ليبيا؟ .. للإجابة عن ذلك نقول بإيجاز شديد إن هذا المجلس يعتبر بمثابة حكومة مؤقتة أقامها الثوار, وإن فقه القانون الدولي العام عالج مسألة الاعتراف بالحكومات الجديدة ويفرق بين نوعين من الاعتراف، الأول هو الاعتراف القانوني De jure ويعني الإقرار الرسمي بوجود الحكومة, وقد يتم بشكل صريح كإرسال مذكرة دبلوماسية تتضمن الاعتراف بالحكومة الجديدة أو يتم بشكل ضمني عن طريق إجراء اتصالات رسمية بالحكومة الجديدة، كما يعتبر مجرد استمرار العلاقات الدبلوماسية اعترافاً ضمنياً. أما النوع الثاني فهو الاعتراف الواقعي De facto ويعني الإقرار غير الرسمي بالوجود الفعلي للحكومة الجديدة, ويتم ذلك غالباً بواسطة اتصالات شبه رسمية.
وتشير السوابق الدولية إلى أن الاعتراف الواقعي في حالة قيام ثورة تؤدي إلى سيطرة الثوار على أجزاء من إقليم الدولة يأتي كإقرار للأمر الواقع فإذا انتصر الثوار انتصاراً كاملاً سيأتي الاعتراف القانوني بالحكومة الجديدة التي أقامها الثوار.
وبناء على ما تقدم يمكن القول إن المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا بدأ يكتسب (الشرعية الدولية)، ففرنسا اعترفت به اعترافاً قانونياً كاملاً كممثل شرعي وحيد للشعب الليبي، أما جامعة الدول العربية فهي وإن أسقطت الشرعية عن نظام معمر القذافي إلا أنها اعترفت بالمجلس المذكور اعترافاً واقعياً، كذلك فعل الاتحاد الأوروبي, حيث اعترف بهذا المجلس اعترافاً واقعياً. ويمكن القول أيضاً إن الولايات المتحدة اعترفت بالمجلس اعترافاً واقعياً بعد أن التقت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون ممثلي الثوار في باريس وبحثت معهم المساعدات التي يمكن أن تقدمها أمريكا للثوار. أما روسيا فهي وإن لم تحدد موقفها من المجلس إلا أن الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف صرح بأن القذافي أصبح (جثة سياسية هامدة)، ووصف تصرفاته ضد المعارضة الليبية بالإجرامية.
إن جميع الدول العربية والأوروبية وأمريكا مطالبة بأن تدعم هذا المجلس باعتراف قانوني صريح لتأكيد سقوط شرعية نظام القذافي حتى يتمكن هذا المجلس من إدارة أموال ليبيا المجمدة في الخارج واستعمالها لمصلحة الشعب الليبي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي