ليبيا والجامعة العربية
يتساءل المواطن العربي حول الموقف المحدد للجامعة العربية من الموقف في ليبيا، خاصة أن الجامعة اتخذت عددا من الإجراءات يجب تقديم القراءة الصحيحة لها والإطارين السياسي والقانوني اللذين اتخذت فيهما هذه الإجراءات. فقد قرر وزراء الخارجية العرب الموافقة على فرض حظر جوي على ليبيا وطلبوا معالجة مجلس الأمن هذا الملف، كما قرر وزراء الخارجية العرب فتح الاتصال بالمجلس الوطني للثورة الليبية، وهما موقفان يتطلبان توضيحا وتفسيرا.
أولا، فيما يتعلق بفرض حظر جوي فإن هذا القرار يتفق مع طلبات الثوار في حمايتهم من الطائرات العسكرية الليبية، ومن الطبيعي أن يتم استثناء الطيران المدني الذي يستخدم في نقل العاملين الأجانب في ليبيا إلى بلادهم، وهو ما طلبته مصر من السلطات الليبية، وكان يتعين على الجامعة أن تصدر قرارا بعمليات الإغاثة العربية للعاملين من العرب في ليبيا بدلا من تحميل مصر وتونس وحدهما هذا العبء الكبير. لكن من ناحية أخرى، فإن تنفيذ الحظر الجوي لن يتم من جانب الدول العربية، إنما من جانب الناتو أو الولايات المتحدة، وفي ذلك شكوك كثيرة من أن يتخذ ذلك ذريعة تنسجم مع مصالح غير عربية، كما أنه من الطبيعي أن تستخدم القوة المسلحة في تنفيذ هذا الحظر لإسقاط الطائرات الليبية العسكرية المستخدمة لضرب المدنيين العزل. بعبارة أخرى فإن الرغبة في حماية المدنيين أمر مشروع، لكن استغلال هذا الظرف الإنساني من جانب قوى أخرى يعرّض الوطن الليبيي للاحتلال، ولا نستبعد أن يكون هذا الاحتلال فائدة للقذافي وللثوار، فهو حماية للثوار ومنفعة للمحتل وثمن لبقاء القذافي مع مقايضة البقاء على احتلال الوطن، وهذه ظاهرة خطيرة عندما يصبح احتلال الوطن ثمنا لبقاء النظام غير الشعبي.
أما قرار الجامعة بفتح باب التعامل مع الثوار فإنه يعني في القانون الدولي أن الجامعة تعترف بالثوار، فقد سبق للولايات المتحدة في عهد ريجان أن استقبل رئيسها زعماء الجهاد الأفغاني ولم يعترف بهم كحكومة بديلة، وكذلك فإن قرار الجامعة يعني الاعتراف بانقسام السلطة بين الثوار والحكومة الليبية. فليس صحيحا أن منطوق القرار يؤدي إلى إحلال الثوار في الجامعة محل القذافي، فلا تزال ليبيا الدولة وحكومة القذافي هي العضو في الجامعة العربية، وتكشف هذه المعالجة عن قصور قانوني في موقف الجامعة العربية؛ لأن الأثر الوحيد لقرار التعامل مع الثوار هو الاعتراف بهم كأحد أشخاص القانون الدولي يتمتعون بحماية قانونية دولية ولم يعد بمقدور الحكومة الليبية أن تعاملهم كخارجين عن القانون وفقا للقانون الليبي.
لكن المواطن العربي يريد في نهاية المطاف أن تتم حماية المدنيين الليبيين من الاستخدام العسكري ضدهم، وأن يتاح لهم الحق في التعبير عن رأيهم في حكومتهم، وهذه قاعدة عامة في القانون الدولي؛ لأن وضع الثوار في القانون الدولي يبدأ عندما يسيطرون على جزء مهم من أقاليم الدولة، وفي هذه الحالة ليس ضروريا أن يظل عملهم سلميا، بل يصبح من حقهم استخدام القوة لحماية أنفسهم. ونحن نشك في أن الحظر الجوي يساعد الثوار رغم أنهم طلبوه؛ لأن الغرب لن يحارب النظام لمصلحتهم، كما أن الاعتراف بالثوار يتوازى مع استمرار الاعتراف بالحكومة الليبية، ما يعني أن الجامعة لم تعد بميثاقها تصلح للمرحلة الجديدة.