ما يجوز ولا يجوز في السوق السعودية

يجوز للشاعر ما لا يجوز لغيره في جبر القافية وكسر قواعد اللغة، ويجوز للمسؤول ـــ في وقت الأزمات ـــ ما لا يجوز لغيره. فظهور وزير المالية لتطمين السوق المالية بدخول الصناديق شبه الحكومية للشراء كان يطالب به معظم المتعاملين في السوق. فالكثير طلب إيجاد صانع للسوق، وإنقاذ السوق من قبل الصناديق الحكومية، وقد فعلت الحكومة ما تريده الأمنيات ورفعت السوق بنسبة 15 في المائة خلال أسبوع. وفي اعتقادي أن التدخل الحكومي أخل بقواعد اللعبة وجعل من قراءة السوق أمرا صعبا للغاية ومعقدا بشكل أكبر. فارتفاع السوق خلال الأسبوع كان مصطنعاً، ولا ندري كم سيستمر مصطنعاً، وهل هناك وقت محدد سيعود المسؤول الحكومي ليقول فيه إن الصناديق الحكومية عادت إلى ممارستها الطبيعية في التعامل مع السوق. فالعوامل الطبيعية لأية سوق ـــ حتى وإن كان فيها صناع سوق ـــ هي التي تساهم بشكل كبير في قراءة السوق بصورة أفضل. فالسوق العالمية تتفاعل هذه الأيام مع ارتفاع أسعار النفط وبيانات السوق الأمريكية بشكل عقلاني ومتوقع. وأخشى أن عدم ترك سوقنا لعواملها الطبيعية قد يؤدي إلى خروج الأموال منها ودخولها بشكل عشوائي مما يسبب تذبذبات حادة وقوية غير متوقعة تساهم في خروج الكثير من المستثمرين في السوق، وتفتح آفاقا جديدة للمضاربين المخالفين بصورة يصعب السيطرة عليهم. ففي خلال الأسبوع الماضي استجدت تساؤلات من أهمها هي: هل ستقوم هيئة السوق المالية بفرض عقوبات على المضاربين المخالفين في الفترة الحالية أم أنها ستكون عفواً للجميع لأنهم يعملون لصالح السوق؟ وهناك سؤال آخر يطرح حول أهمية وجود مضاربين في السابق وكيف أنهم ساهموا بشكل كبير في استمرار السوق السعودية في أن تكون مصدر ثروة لصغار المتعاملين؟ صحيح أن المضاربين كانوا يعملون لصالحهم ولكنهم كانوا أيضا يخدمون فئة كبيرة في السوق كانت ترضى بهذه اللعبة المعروفة لديهم. وهذا ما يحدث الآن، إذ إن الإعلان باستمرار الصناديق الحكومية في الشراء ساهم وسيساهم في زيادة حدة السلوك المضاربي في السوق. وقد شوهد ذلك في الأسبوع الماضي من تذبذب حاد في السوق بين الافتتاح والإغلاق بشكل يصعب تصديقه.
صحيح أن اقتصادنا المحلي قوي، وأن أداء الشركات منذ بدء العام الحالي قوي أيضا، ولكن القلاقل الجيوسياسية تؤثر فينا بكل تأكيد. فالاضطرابات في مصر قد تستمر لسنوات عدة، والقلاقل في بعض دول الخليج واليمن قد تسفر عن تغيرات جوهرية يصعب التنبؤ بها وعن تأثيراتها في سير التصدير والاستيراد للعالم الخارجي، ناهيك عن أن العالم الخارجي يمر بظروف اقتصادية صعبة، فالبيانات في الاقتصاد الأمريكي ـــ وخصوصاً فيما يتعلق بعجز الموازنة العامة وميزان المدفوعات ـــ تبعث على القلق. وزلازل اليابان قد تنجم عنها خسائر فادحة للاقتصاد العالمي، وارتفاع معدلات التضخم قد يصيب الاقتصاد العالمي في مقتل. فهذا البنك المركزي الأوروبي يتردد في رفع سعر الفائدة تحسباً لأية مفاجآت سيادية لدول أوروبا.
إن قراءة كهذه تجعل من الاعتقاد بأننا نعيش في معزل عما يدور حولنا اقتصادياً وسياسياً أمرا قد لا يستمر طويلاً وأن علينا ترك السوق دون تدخلات معلنة أو غير معلنة لعواملها الطبيعية. ومن عواملها الطبيعية المهمة هي أن انجلاء القلاقل الجيوسياسية وعودة النفط لأسعاره الطبيعية قد يدفعان السوق إلى الارتفاع بشكل قوي، وأنه سيكون من أفضل الأسواق العربية للمستثمر.
ولعله من المهم الآن أن تسارع هيئة السوق المالية إلى إصدار لائحة لصانعي السوق، مع السماح للشركات بشراء أسهمها وشراء أسهم الشركات التي تحتضنها، فمثلاً ''سابك'' تمتلك في ''ينساب'' و''كيان'' وغيرهما من الشركات البتروكيماوية، بحيث يسمح لها بالشراء في تلك الشركات كصانعة ومستثمرة في السوق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي