ملايين الأندية الأدبية!

في غير اجتماع.. وفي غير مناسبة! تلقّيت استياءً من منتمين لفئة الـ "نُخَب" في جانبيها الأكاديمي والاقتصادي تجاه القرار القاضي بمنح كل نادٍ أدبي موازنة سنوية قدرها عشرة ملايين ريال! وكأن العشرة ملايين لكل ناد أدبي ستكون السبب في إهدار اقتصاد البلد!! وليس مناقصات المليارات التي ترسّى ولا تنفذ.. أو تنفذ بترسية مدعمة من "بطن" هزاز.. أو حتى زلزال!
بداية أود التأكيد على أن الرقم لا يزال صغيراً قياساً على المنجز الثقافي والمنتمين إليه في السعودية، ولكني سعيد جداً بالالتفاتة بعد رجاء أجيال لعقود طويلة. ولمن لا يعرف السبب، ولمن استكثروا الرقم على هذه المؤسسات من اقتصاديين أحترمهم وأكاديميين أجل درايتهم، أقول:
المثقف الحقيقي عموماً، وأخوه المبدع غير المتنازل عن منافسته في المكانة، هم أكثر المحبطين تمسكّا بإحباطهم في العالم العربي، وهؤلاء لا سبيل لتخليصهم، في ظل ما تتيحه إدارة العقول العاملة ضمن (اقتصاد ريعي)، سوى التفات الحكومات إليهم واحتواء حاجتهم إلى الوصول بنتاجهم الفكري للجمهور.. حتى وإن شحّ! وما لا يعرفه النخب، التي تعيش غالباً في عيش كريم لا يشابه بأي حال من الأحوال ما يكابده "سكّان" "مخطّط" المثقفين.. المتفرع من طريق المتعففين، هو أن المثقف يعيش حياة اقتصادية بائسة.. تبدو في أغلب الأحيان قدراً لا مفر منه. ولي تجربتي الشخصية مع عدد من الأندية الأدبية التي شاركت في بعض أعمال لها ضمن مجموعات قصصية للأطفال وصنوف أخرى نسيتها بفعل التقادم .. وكان الواقع حينها يقتضي أن ينتظر المبدع أحياناً عامين أو ثلاثة .. قبل أن يتسلم شيكاً مصرفياً (مصدّقاً) بمبلغ ضخم يقدّر بألف ريال مثلاً..!!
ــــ ألو.. الأستاذ عبد الله!
* نعم.. معك عبد الله!
ــــ أنت لك شيك عندنا.. يا تجي تستلمه.. يا نرسله بريد "مُسنجل"!
* انتو مين.. طال عمرك؟
ــــ حنّا النادي الأدبي.. فرع الـ...!
* الله لا يهينكم.. ما قصرتوا! وما له داعي الكلافة!!... إلخ!
أنا لا أدوّن هذا ساخراً.. بل أحكي واقعاً مصدّراً للسخرية من مرارة المفارقة، فتخيلوا معي حجم الإحراج الذي يشعر به ممثل النادي الأدبي.. وكمّ الإحراج الذي يعايشه الكاتب أو الرسام أو أياً كان!! فالنادي حريص على مكافأة الناس حتى وإن لم يطلبوا شيئاً لقاء عملهم.. والطرف الثاني مثمن لهذا الحرص.. لكنه مشغول أكثر بالاستغراب من قراءة العقل الثقافي الحكومي لقيمة المكافأة المادية الخاصة بالنتاج الفكري!!
انتهت المساحة، وعموماً أنا سعيد جداً بالقرار الجديد، مع احترامي لانفعال "النخب" المنوه عنهم أعلاه! وأتمنى على المولى .. ألاّ يأتي 2020 إلا وقد التفتت الحكومة للجمعيات الفنية، كجمعية التشكيليين، المسرحيين، الخطاطين .. وصولاً إلى الكاريكاتوريين .. ودعمتهم! فالعمل الثقافي لا يحيا دون إنفاق، وبقاء هذه الجمعيات دون أي دعم مالي يذكر.. هو نحر مهذب لحلم طال انتظاره يتمثل في مأسسة العمل الثقافي لمرحلة لا غنى لنا فيها عن تفعيل الثقافة كلاعب مهم في الاحتواء!
نحن لم ولن نطمح لمنافسة "المجلس الثقافي البريطاني".. مثلاً! ولكننا نطمح على الأقل لتوفير أيسر قدرة من التشغيل!
مثال: كيف سيعمل المبتدؤون ضمن دورة لتعليم الرسم في جمعياتنا.. دون أن يكون هناك مقر، ورق، أقلام، ألوان... إلخ!
هذا السؤال.. هو أبسط مثال على حجم المعاناة!!
..........
"وين الفاكس يا محمد؟؟"
نسخة مع السلام، للقطاع الخاص.. وأخيه "النفعي" الحصّاص!!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي