وهل يقامر الإنسان بوطنه؟ (1 من 2)

ماذا لو وردت لإنسان رسالة جوال، أو وجد موقعاً على الإنترنت يدعو إلى التبرع بمبلغ عشرة ريالات فقط، لجهة لا يعلم ما هي، ولا ما هي أهدافها، ولا من يديرها، أو يقف خلفها، هل سيسارع إلى التبرع لمجرد أنه وجد دعوة للتبرع؟، أم سيرى أن التبرع مهما كان المبلغ بسيطاً ضرب من الجنون، أليست أول فكرة سيذهب إليها ذهنه أن هناك جهة معادية تسعى للحصول على تمويل لتنفيذ جرائم إرهابية في بلده، أو في أي مكان آخر من العالم؟
هذا هو الوضع الطبيعي للإنسان العاقل، مهما كان مستوى تفكيره وتعليمه، عشرة ريالات، وربما أقل ستجعله يطرح كل هذه الأسئلة على نفسه قبل أن يُقدم على التبرع، بل سيعتبر نفسه مجنوناً إذا تبرع، لأنه يدرك مخاطر تمويل الإرهاب على من يتورط فيه، وعلى الوطن بشكل أعم.
على شبكة الإنترنت كثيرٌ من المواقع التي تروج لخدمات وتدعو للتعاطف مع قضايا، وبعضها يحرض الناس على اتخاذ مواقف معينة، والقيام بأعمال مدمرة، دون أن تجد في هذه المواقع اسما يستند إليه، أو يحمّل المسؤولية.
وكثيرٌ من الناس يشتكي من عمليات نصب واحتيال وتغرير وابتزاز، استخدمت فيها مواقع على الإنترنت، فالبعض خسر المال، والبعض الآخر خسر شرفه، والبعض وجد نفسه متورطاً في قضايا لم يكن يدرك خطورتها حتى وقع فيها، وليس هناك جهة سيُلقي عليها اللوم، سوى أشباح لا يعرف الإنسان من أي مكان يديرون اللعبة، ولا أية أهداف يسعون لتحقيقها، ولصالح من يعملون.
من يتابع الفوضى التي تجري في عالمنا العربي، يجد أن مواقع الإنترنت كانت المحرض الرئيس لها، فعبرها يخطط وتحدد الأوقات وتحشد الحشود لإثارة الفوضى والقتل والتدمير في دول لم تمنع فيها صلاة، ولم يضيق على الناس في عيشهم، وكأن الهدف هو أن تصل المجتمعات العربية كلها إلى حالة من الفوضى والوضع الأمني المضطرب، ليسعد أناس لا يخفون أهدافهم وهم يروجون لها، ويحثون عليها، عبر وسائل إعلام بعضها مشبوه، وبعضها الآخر يُعلن عداوته للدين قبل الوطن والشعب.
ومن المؤسف أن بعضاً من وسائل الإعلام تمارس التضليل عبر تبسيطها لنتائج ما جرى من ثورات وانتفاضات، وإغفال النتائج الكارثية التي نتجت عنها، ومن أبرزها ضياع هيبة الدول واختلال أمنها، وانهيار اقتصادها الذي يحتاج إلى سنوات عديدة لتعويض خسائره.
كما أن من المؤسف أن يخرج بعض الانتهازيين الذين يدعون إلى الفوضى، ليقول إن ما يجري من عمليات قتل وتدمير هي ثمن الحرية، وهو آمن في بيته، مطمئن على نفسه وولده وماله، مستفيد مما يحدث شهرة وانتشارا، ولو تعرضت إحدى سياراته لحادث بسيط، لتألم أشد من الألم الذي يجده الإنسان السوي، وهو يرى الجثث والحرائق والدمار يعم مدناً كانت آمنة.
إن وجود خلل، أو أخطاء من قبل جهات في الدولة لا يبرر أن يسعى الإنسان لتدمير بلاده عبر إشاعة الفوضى والانقسام، وهو يرى نتائج هذه الأعمال التي لن يستفيد منها إلا عدو واضح العداء، أو حاقد يلبس لبوس الناصحين.
وما يحتاج إليه الناس في مثل هذه المواقف هو الاستماع إلى رأي العلماء الثقاة، الذين لا يحركهم هوى، أو عاطفة، بل ينطلقون في فتاواهم من الرأي الشرعي الحكيم، وهذا ما عبر عنه بيان هيئة كبار العلماء الصادر يوم أمس الأول.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي