ماذا يحدث في سوق الأسهم السعودية.. جنون أم منطق السوق؟!

تتوالى الأسئلة وتلح بقوة في وقت الأزمات، والكل يبحث عن حلول سريعة، والبعض لا ينفذ هذه الحلول حتى إن كان طالبها. ومع تهاوي سوق الأسهم السعودية، تعود الذاكرة بي إلى سنة 2006، عندما كانت تنهال الاتصالات في طلب الحلول العاجلة في دلالة واضحة أن الأكثرية الساحقة التي تتعامل في سوق الأسهم تنسى الدروس بسرعة حتى لو كانت قاسية جداً. فما يحدث في سوق الأسهم السعودية كتبت عنه مقالين سابقين خلال شهر، خصوصاً في المخاطر التي تحيط بالمنطقة، وكيف أنها ستؤثر بشكل قوي في أسواق الأسهم جميعها دون استثناء. فقد كتبت قبل أكثر من شهر في مقال بعنوان ''الأزمة المصرية وتأثيرها في السوق السعودية'' ونشر في ''الاقتصادية'' التالي: ''.. ويبدو أن السوق السعودية تفاعلت مع الأحداث في السوق المصرية بصورة متوقعة ــــــ ليس كما اعتقد البعض ــــــ أن هناك مبالغة في تراجع السوق السعودية بحدة، خصوصا التراجع الذي حدث يوم السبت ما قبل الماضي، وانتهاء السوق السعودية بتراجع مقبول حتى الآن بنسبة سالبة 1.6 في المائة منذ بداية العام حتى الآن، مقارنة بالأسواق الخليجية والسوق المصرية, التي ـــــ الأخيرة ــــــ انهارت بنسبة 21 في المائة. ولعل أهم الأسباب التي أدت إلى تراجع السوق السعودية قد انكشفت بصورة واضحة بعد نشر تداول لإحصائيات البيع والشراء في السوق السعودية لكانون الثاني (يناير), الذي شهد آخر أسبوع فيه التراجع الكبير للسوق السعودية يوم السبت 29 كانون الثاني (يناير) بنسبة 6.4 في المائة، حيث تبين أن الأفراد, الذين يشكلون نسبة 86.6 في المائة من المتداولين في السوق, باعوا بأكثر مما اشتروا بفارق خمسة مليارات ريال تقريبا، وهو ما يشير إلى هلع الأفراد. فالصناديق الاستثمارية والشركات اشترت أكثر مما باعت خلال كانون الثاني (يناير). وفي اعتقادي أن من سارع في الخروج من السوق السعودية ـــــ ومن ثم تبعه الأفراد ـــــ هي فئة الأجانب (عبر اتفاقيات المبادلة) الذين باعوا بأكثر مما اشتروا بنحو مليار ريال، لكن سلوكهم في التعامل في السوق السعودية هو سوق مضاربي واضح منذ بدء دخولهم إلى السوق السعودية، حيث لم يخلُ يوماً تقريباً إلا ونلاحظ تحركهم بالبيع والشراء بكميات ملحوظة في شركات صغيرة نسبياً ـــــ كما ينشر في نسب الملاك اليومية التي تنشرها أرقام. وفي اعتقادي أن هؤلاء المستثمرين يستخدمون الخيارات أيضاً في بيع وشراء الأسهم السعودية, خصوصاً في الشركات الكبيرة ذات السيولة العالية, التي يحتم عليهم البيع والشراء عند أسعار محددة مسبقاً. وهذا السلوك المضاربي أضاف هلعاً إضافياً لدى الأفراد للخروج سريعاً يوم السبت 29 كانون الثاني (يناير). وهذا لا يعني تقليلي من أهمية العوامل الأخرى التي أثرت في السوق السعودية، وجاءت كتبعات لما يحدث في مصر الشقيقة, التي من أهمها ارتفاع تكلفة الإقراض المتوقع في السوق السعودية وأسواق المنطقة، وانكشاف بعض الشركات المدرجة في السوق السعودية على السوق المصرية بشكل مباشر، وارتفاع تكلفة النقل والتأمين على النقل الملاحي، وانقطاع واضطراب سوق التصدير عن طريق قناة السويس، والمخاطر السياسية التي قد تترك تبعات طويلة المدى على أسواق المنطقة، خصوصاً إذا استمرت الدعوة بتساقط الرؤوس.
ولعل الأسباب الأخيرة هي أسباب سيتعاظم تأثيرها مع مرور الوقت في حال استمرار هذه الظواهر خلال العام، ما يجب الحذر في التعامل مع أسواق المنطقة خلال العام الحالي''.
إن من الواضح أن تراجعات السوق السعودية تعكس حالة القلق والتوتر التي تسود المنطقة بشكل أكبر من غيرها من الأسواق حتى تلك الأسواق التي توجد فيها اضطرابات مثل السوق البحرينية. فالذين قارنوا تفاعل السوق السعودية بالمبالغة عند مقارنتها بالسوق البحرينية يتناسون أن السوق البحرينية ـــ في أوقات الرواج الكبير وارتفاعات كل أسواق العالم بنسب عالية جداً بعضها تجاوز 100 في المائة ـــ لم ترتفع بالصورة المأمولة، بل إن ارتفاعاتها كانت ضعيفة للغاية. وهي أيضاً تتراجع بنسب أقل بكثير من الأسواق الأخرى لأسباب خاصة بالسوق البحرينية التي تتسم بسيولة وتداولات ضعيفة جداً، حيث إن معظم الشركات المدرجة في السوق البحرينية هي في الغالب لا تخرج عن سيطرة مؤسسي تلك الشركات والذين أنشأوها لخدمة تعاملاتهم الاستثمارية بالدرجة الأولى وليس للتداول أو التخارج من تلك الاستثمارات سواء كانت مالية أو صناعية أو تجارية, ما أضعف الإقبال على البيع والشراء في تلك السوق. ومقارنة بالسوق السعودية، فإن السوق السعودية تتسم بالسيولة العالية مع كبر حجم الشركات وكبر عدد المتعاملين من الأفراد, ما يجعلها سوقا خصبة للمضاربات نتيجة المرونة العالية للدخول والخروج فيها. ولو أن السوق السعودية سارعت في السماح بدخول المستثمرين الأجانب مباشرة في السوق، كما كان مخططاً له في العام الماضي، لرأينا سوقنا في تهاو أسرع. فالدخول المباشر للأجانب قد يؤدي إلى إيجاد سوق خيارات ـــ وهو الذي يفضله الأجانب ـــ ما يعني أن التسييل يحدث تلقائياً سواء كانت السوق إيجابية أو سلبية. ولو أضيف ذلك العامل إلى ما حدث في السوق السعودية خلال الأسبوع الفائت من خروج واضح من السوق نتيجة بيع بعض المحافظ المقترضة (بيع على الهامش)، مع خفض بعض المحافظ انكشافها على السوق كتصرف طبيعي في مثل هذه الظروف لكان تراجع السوق السعودية أكبر وأشد إيلاماً.
إن العوامل السابقة, التي ذكرت في هذه المقالة, ما زالت قائمة, ما يشير إلى أن السوق السعودية قد تشهد مزيداً من التراجع. ويصعب الآن القول أو التصديق بوضع نقاط دعم أو مقاومة أو حتى الالتفات إلى العوامل الجوهرية حتى تتضح الرؤية بشكل لا لبس فيه للأوضاع السياسية التي تحيط بالمنطقة, وهو الأمر الذي قد يأخذ وقتاً أطول مما نعتقد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي