أين زكاة تجارة التجزئة؟

أمس أعلنت مصلحة الزكاة والدخل الرقم السنوي المتواضع لإيرادات الزكاة، فقد ذكرت أن الإيرادات خلال 2010 بلغت 8.8 مليار ريال، وهي المبالغ التي دفعها المكلفون، وهذه زكاة ما يقارب الأربعمائة ألف منشأة في المملكة!!
المصلحة ليس لديها آلية لفرز حجم زكاة تجارة التجزئة (أي المنشآت الصغيرة والمتوسطة) فهذا هو الوعاء الكلي .. وهي لا تلام في ذلك، لأن القطاع خارج بشكل كبير عن الرقابة المالية والإدارية، وعندما وجه اللوم للقطاع المصرفي لعدم تمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة كان مبررهم موضوعيا ومنطقيا، فأغلب المنشآت التي تتقدم ليس لديها مدخلات ومخرجات مالية واضحة، خصوصاً في حجم التدفقات النقدية السريع والمتشعب، لذا من باب أولى ألا تعرف مصلحة الزكاة كيف تحصل على الزكاة من هذا القطاع.
هذا الرقم المتواضع للزكاة، رغم أننا نعرف أن هناك من المكلفين من يخرج زكاته ويحرص عليها ويقدم ما هو أكثر من الزكاة، ولكن يبقى أن هذا الرقم مخجل لنا دينياً وأخلاقياً، وفي تصوري أن هذا الرقم المتواضع يمكن أن يؤخذ ضمن المؤشرات على التراجع في أخلاقيات التجارة، سواء لدى المنشآت الصغيرة أو الكبيرة.
في تصوري أن تجارة التجزئة إذا تم تطويرها والإشراف عليها بشكل كبير سوف توفر إيرادا زكويا مهما .. وهذه مسؤولية الدولة، فهي مكلفة بجمع الزكاة وعدم التهاون في ذلك، إنها حق الفقراء والضعفاء في أموال الأغنياء، وهي ركن عظيم في ديننا، ولها فلسفة اقتصادية واجتماعية، وجمعها وإنفاقها بالطرق والآليات التي لا تحمل ضرراً على المكلفين هي في خدمة المجتمع والدولة وأيضاً في خدمة الأغنياء..
هنا تأتي مسؤولية الدولة وضرورة تفاعلها وعدم تساهلها في هذا الركن. أهمية جمع الزكاة لها مبرر ديني ووطني، وتنظيم تجارة التجزئة وفرض الأنظمة المالية والرقابية عليها مهم جداً، والآن نحن في حقبة تفعيل الرقابة والإشراف على النشاط الاقتصادي والتجاري، والأزمات المالية والاقتصادية العالمية الأخيرة كشفت خطورة تخلي الدولة عن ضبط ومراقبة النشاط التجاري، الصغير قبل الكبير .. وعقيدة (دعه يعمل دعه يمر) ورَّثت الأزمات وقضت على فكرة المساواة الاجتماعية، حتى في الدول التي سعت في الديمقراطية لأجل العدالة الاجتماعية.
تنظيم هذا القطاع ليس (معجزة) أو مهمة مستحيلة، وهذا دور الأجهزة الحكومية المختلفة، وإذا نحن نستمر نجتر مشاكلنا الرئيسية والأجهزة الحكومية المالية لا تقوم بدورها .. إذن ما هو المبرر للإنفاق الضخم على الأجهزة الحكومية (الباب الأول المخصص للرواتب والأجور يستنفد نصف الميزانية) .. جيوش من الموظفين ولكن غير قادرين على تنظيم بقالات ومخابز ومغاسل .. وحتى مقصف مدرسي!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي