من قال إنك شخص عادي؟!! الفاعلية القيادية (2 من 2)

كنا قد انتهينا في حديثنا السابق إلى صفات القائد الفاعل، وذكرنا جزءاً منها على ضوء إحصائيات واستبيانات شملت الكثير من بلدان العالم، واليوم نواصل الحديث ــــ عزيزي القارئ ـــ عن صفات القائد أيضا، ولكن مع كبار خبراء القيادة وروادها في العالم، ونبدأ مع ستيفن كوفي، حيث يرى في كتابه ''القيادة على ضوء المبادئ''. إن من صفات القادة الملتزمين بالمبادئ أنهم يتعلمون باستمرار وينظرون إلى الحياة كرسالة ومهمة لا كمهنة, ويحسون بالمسؤولية. فالقائد عند كوفي: مبتهج دمث، سعيد نشيط، باسم الثغر طلق المحيا، يعيش حياة متوازنة، يشعر بقيمة نفسه، ويفرح بإنجازات الآخرين، مؤكداً أن القادة سباقون للمبادرة، تواقون للإبداع، يرون الحياة والناس فرصة للاستكشاف وكسب الخبرات الجديدة، أما الخبير القيادي روبن شارما فيرى الصفات القيادية المهمة في القائد المتألق، خمس صفات يبدؤها بالعظمة، فيقول: أظهر الحماس والتفاني فيما تفعله، اعمل بجد، فإن العمل الجاد دائما ما يفتح الأبواب أمامك، وكل يوم وأنت ذاهب للعمل فكر بنفسك واكتشف عبقريتك. ويؤكد أن العبقرية باختصار هي التركيز زائد التحسن اليومي زائد الوقت. والثانية: بحسب شارما هي الرؤية الواضحة، فيقول: كن واضح الرؤية بشكل مدهش ولافت للنظر. لأن الرؤية هي كل شيء بالنسبة للقائد، فهي التي تقوده، وتدفعه دفعا إلى الأمام. والثالثة: تحمل المسؤولية الشخصية. حيث يرى شارما: أن القيادة الحقيقية تقوم على تحمل المسؤولية الشخصية. وأما الصفة الرابعة: فهي الحماس والحيوية، يقول شارما: كن مفعما بالحماس ومليئا بالحيوية، فإنه من دون الحماس والتحفز والشغف، لا يمكنك أن تصبح رائداً في مجالك. والخامسة: أن أحرق 1 في المائة الإضافية، حيث يؤكد شارما على أهمية الاستفادة من كل جزء من طاقتك في تقديم أفضل أداء وتحقيق أعلى مستوى. فيقول: كرس قدراتك كاملة في كل ما تفعله، وأيقظ ملكاتك، وأوقد حماسك الخامد، حتى تستطيع أن تقول في النهاية: لم أدخر جهداً، فإن الفرصة الحقيقية لتحقيق العظمة تسنح في نفس اللحظة التي يفقد فيها الناس العاديون الأمل. وفي خضم الخلاف حول القائد يولد أم يصنع فإن الجينات القيادية وحدها لا تكفي، بل لا بد من صقل الصفات القيادية المكتشفة في الإنسان، ولا بد من التدريب القيادي، والتعليم المهاري، والنزول إلى أرض الواقع للتعامل المباشر مع التحديات المختلفة، والتجربة الحرة، يقول ''جون كوتر'': (كان لدى القادة الذين قابلتهم حرية التجربة في العشرينات والثلاثينات من أعمارهم، ليخاطروا وليتعلموا من كلتا النتيجتين؛ النجاح والفشل). ويقول روجر: المعرفة أمر جيد، والإرادة شيء أفضل، أما التصرف فهو أفضل الثلاثة. وصناعة القيادات القادرة على إحداث التأثير والتغير في الحياة من حولنا ومن أمامنا ليس بالأمر السهل، ولم تكن بالإمكان بين عشية وضحاها، إنها خطوات ومراحل ومن خلال برامج حية، مؤهلة وتتمتع بفاعلية واقعية، وهل إليها من سبيل إلا من خلال قيادة فذة تبث شغفها فيمن حولها، وتفسح لهم المجال بأن يتألقوا وينضجوا ويصبحوا قادة مؤثرين.
ولنا مع التراث وقفة في قصة تحكى ومنهج يقتدى به وتجربة وعبرة لم يفهم ويؤمن بالصفوف الثانية في القيادة.
..... يحكى أن نمراً كبيراً تقدمت به السن، وكان قائدًا لقطيع من النمور، قرر ذات يوم أن يخرج للصيد، فجمع نموره وقال لها: سنخرج للصيد، وأرجو أن تصحبني النمور اليافعة، لعلها تتعلم مني شيئًا أو شيئين.
فرحت النمور الصغيرة بما قاله النمر الكبير؛ وهو الذي نادرًا ما يبدي لهم اهتمامًا حقيقيًّا بتدريبهم على الصيد.
وفي اليوم الأول شاهد النمر الكبير قطيعًا من الفيلة، فانتدب أحد النمور اليافعة ليهجم على قطيع الفيلة ويجلب لهم ما تيسر، فلم يستطع النمر الصغير أداء المهمة، فقال النمر الكبير: يبدو أن علي أن أقوم بالمهمة بنفسي، وفعل ذلك، فاصطاد فيلا كبيرًا. تكرر المشهد مرات مع نمور صغيرة أخرى، إلا أن الفشل كان حليفهم جميعًا، فيقوم النمر الكبير بالمهمة بنفسه، وفي كل مرة يؤنب النمور الصغيرة لعدم قدرتها على الصيد.
تحلقت النمور حول النمر الكبير مبدية إعجابها بمهاراته وشجاعته؛ فتنهد النمر الكبير قائلا: يبدو أنه ليس بينكم من يتوافر لديه الاستعداد ليحل محلي، وآسف إذا قلت لكم إنني نمر لا يمكن الاستغناء عنه.
وتمر السنون والنمر الكبير على هذا الحال، يصطاد بنفسه، ولم يغير من أسلوبه في تعامله مع رفاقه، ولم يخطر بباله أن يعلمهم حيله وأفانينه في اصطياد الصيد.
وفي أحد الأيام، التقى النمر الكبير بصديقه الأسد، واشتكى النمر الكبير من ضعف النمور الصغيرة وقلة همتها وانعدام المبادأة لديها قائلا: إنه رغم كبر سني فإني أقوم بالصيد لجميع أتباعي، ويبدو أنه ليس ثمَّة نمر على شاكلتي بين النشء الجديد.
عندئذٍ انتفض الأسد، وقال: هذا أمر غريب، إنني أجد الأشبال عندي يتعلمون بسرعة، وينفذون ما أطلبه منهم، بعضهم يحسن في عمله، وبعضهم يخطئ، ولكن لا بأس، وأصدقك القول، إنني أفكر في ترك العمل والتقاعد في السنة القادمة، وأسلم القيادة لأحد الأشبال.
قال النمر الكبير: إنني أغبطك، ومن المؤكد أنني كنت سأرتاح لو عرفت جيدًا معنى القيادة، نهض الأسد فودعه النمر الكبير الذي قال متألمًا: إنه لعبء ثقيل حقًّا أن تتصرف وكأنك القائد الذي لا يُستغنى عنه.
لم يدرك النمر الكبير أنه يحتاج إلى جيل من الأتباع المميزين (النمور الصغيرة) ستحل محله عندما يكبر سنه، ويعتمد عليها في القيادة من بعده. وكما يقول أحمد شوقي:
وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
وما استعصى على قوم منال إذا الإقدام كان لهم ركابا
فرب صغير قوم علموه سما وحمى المسومة العرابا
وكان لقومه نفعاً وفخراً ولو تركوه كان أذى وعابا
فعلم ما استطعت لعل جيلا سيأتي يحدث العجب العجابا
دمتم سالمين،،،،

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي