حقوق الإنسان في مرحلة التفتيش

بوصف الشخص إنساناً, أياً كانت جنسيته أو ديانته, الحق في أن يحيا حياته الخاصة بعيداً عن تدخل الغير وبمنأى عن العلانية, فلحياته حرمة, لذا كان إجراء التفتيش من أشد الإجراءات التي عُني بها نظام الإجراءات الجزائية, حيث منع التفتيش كقاعدة عامة ولم يجزه إلا بقيود خاصة، فللأشخاص حرمة تحمي جسدهم وملابسهم ومالهم وما يوجد معهم من أمتعة، ولمساكنهم حرمة, وتشمل كل مكان مسور أو محاط بأي حاجز أو معد لاستعماله كمأوى, ولممتلكاتهم ومكاتبهم ومراكبهم حرمة تجب صيانتها.
التفتيش يجب أن يكون بناءً على اتهام موجه إلى شخص بارتكابه جريمة يقيم في مسكن أو باشتراكه في ارتكابها أو إذا وجدت قرائن تدل على أنه حائز أشياء تتعلق بالجريمة, وعليه يجوز لرجل الضبط الجنائي أن يفتش الشخص والمكان ويضبط كل ما يحتمل أنه استعمل في ارتكاب الجريمة أو نتج عنها، وكل ما يفيد في كشف الحقيقة بما في ذلك الأوراق والأسلحة, وفي جميع الأحوال يجب أن يُعد محضراً عن واقعة التفتيش يتضمن الأسباب التي بُنيَ عليها ونتائجه، مع مراعاة أنه لا يجوز دخول المساكن أو تفتيشها إلا في الأحوال المنصوص عليها نظاماً، وبأمر من هيئة التحقيق والادعاء العام.
ففي حالة القبض على شخص متلبساً أو بأمر من السلطة المختصة بالقبض, يجوز لرجل الضبط الجنائي تفتيش جسده وملابسه وأمتعته، وإذا كانت المقبوض عليها أنثى وجب أن يكون التفتيش من قبل أُنثى يندبها. أما المساكن, فالقاعدة العامة أنه (لا يسمح بتفتيشها) والقيد (إلا بأمر من هيئة التحقيق والادعاء العام)؛ ويجب أن يُطلع عليه صاحب المسكن أو من ينوب عنه، ويفتح محضرا للتفتيش ويذكر فيه اسم من قام بإجراء التفتيش ووظيفته وتاريخ التفتيش وساعته ونص الإذن الصادر بإجراء التفتيش، أو بيان الضرورة الملحة التي اقتضت التفتيش بغير إذن، وكذلك بيان أسماء الأشخاص الذين حضروا التفتيش ويضمن تواقيعهم على المحضر، كما عليه وصف الأشياء التي ضُبطت وصفاً دقيقاً، مع توضيح جميع الإجراءات التي اُتخذت أثناء التفتيش، والإجراءات المتخذة بالنسبة للأشياء المضبوطة، وبما أن للمساكن حرمتها فيجب أن يضمن رجل الضبط الجنائي عند التفتيش حضور صاحب المسكن أو من ينيبه أو أحد أفراد أسرته البالغين المقيمين معه, وإذا تعذر حضور أحد من هؤلاء، وجب أن يكون التفتيش بحضور عمدة الحي أو من في حُكمه أو شاهدين، وإذا لم يكن في المسكن المراد تفتيشه إلا أنثى, ولم تكن هي المتهمة, وجب أن يكون مع القائمين بالتفتيش امرأة ليسهل عليها الاحتجاب أو مغادرة المسكن، وأن تمنح التسهيلات اللازمة لذلك بما لا يضر بمصلحة التفتيش ونتيجته، لكن إذا حدث رفض وممانعة من صاحب المسكن أو شاغله بالدخول أو قاوم، جاز لرجل الضبط الجنائي أن يتخذ الوسائل اللازمة المشروعة لدخول المسكن بحسب ما تقتضيه الحالة، وكذلك يُسمح له بدخول المسكن في حالة علم بطلب المساعدة من الداخل، أو حدوث هدم أو غرق أو حريق أو نحو ذلك، أو دخول معتد أثناء مطاردته للقبض عليه. وبما أن القاعدة العامة تقتضي منع التفتيش, فلا يسمح بتفتيش غير المتهم أو مسكن غير مسكنه, لكن إذا اتضح من أمارات قوية ودلالات واضحة أن هذا التفتيش سيفيد في التحقيق فيسمح بذلك، وأن عملية التفتيش يجب أن تتم نهاراً من بعد شروق الشمس وقبل غروبها، ويمنع دخول المساكن ليلاً إلا في حال التأكد من وقوع جريمة أو بعد وقوعها بقليل (حالة التلبس)، كما يجب أن يكون التفتيش للبحث عن الأشياء الخاصة بالجريمة الجاري جمع المعلومات عنها أو التحقيق بشأنها, ومع ذلك إذا ظهر عرضاً في أثناء التفتيش وجود أشياء تعد حيازتها جريمة أو تفيد في كشف جريمة أخرى، وجب على رجل الضبط الجنائي ضبطها وإثباتها في محضر التفتيش، وفي أثناء التفتيش إذا وجد رجل الضبط الجنائي في منزل المتهم أوراقاً مختومة أو مغلقة بأي طريقة فلا يجوز له أن يفتحه،ا وعليه إثبات ذلك في محضر التفتيش وعرضها على المحقق المسؤول، كما أن للرسائل البريدية والبرقية والمحادثات الهاتفية وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، فلا يجوز الاطلاع عليها أو مراقبتها إلا إذا كان لذلك فائدة في ظهور الحقيقة في جريمة وقعت، وبأمر من رئيس هيئة التحقيق والادعاء العام، ولمدة محددة وللمحقق وحده الاطلاع عليها.
قبل مغادرة مكان التفتيش على رجل الضبط الجنائي أن يتأكد من وضع الأشياء والأوراق المضبوطة في حرز مغلق وربطها ما أمكن ذلك، ويختم عليها ويكتب على شريط داخل الختم تاريخ المحضر المحرر بضبطها، ويشير إلى الموضوع الذي حصل التفتيش وضبط الأشياء من أجله، كما يجب التأكيد على أنه لا يجور فتح هذا الحرز إلا بحضور المتهم أو وكيله أو من ضبطت عنده هذه الأشياء، ويتم ذلك بدعوتهم وتبليغهم بالوقت المحدد لذلك, فإذا لم يحضروا جاز فتحها والاطلاع على محتوياتها.
كما يجوز رد الأشياء التي ضبط إلى من كانت في حيازته وقت ضبطها بأمر من المحقق أو من قاضي المحكمة المختصة بعد معاينته،ا حتى لو كان ذلك في أثناء التحقيق أو أثناء النظر في الدعوى، إلا إذا كانت لازمة للسير في الدعوى أو محلاً للمصادرة، أما الأشياء المضبوطة التي لا يطلبها أصحابها بعد إبلاغهم بحقهم في استعادتها تودع في بيت المال.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي