الإسكان لمكافحة الفقر
لماذا يسكن بعض الناس في الكهوف أو في "العشش" و"الصنادق" والكراتين وتحت الأشجار؟ ولماذا توجد العشوائيات والمناطق السكنية الخربة في المدن؟.. لماذا؟ الإجابة ببساطة لأن ساكنيها من الفقراء الذين لا يستطيعون توفير تكلفة أرخص مسكن معروض في سوق الإسكان النظامية.
إن الفقر قضية متعددة الأبعاد تظهر مع انعدام الدخل أو انخفاضه، وعادة ما يرافق الفقر أشكال متعددة من الحرمان، وما يتبعه من عجز الأسرة عن الحصول على السلع الأساسية والضرورية وعلى رأسها المأوى أو المسكن الملائم. ويوجد في كل مجتمع أفراد أو أشخاص فقراء وكذلك أسر فقيرة، ولكن تجمع عدد من الأفراد والأسر الفقيرة في منطقة واحدة، أو حي واحد؛ هو أسوأ مظاهر الفقر على الإطلاق، حيث تصبح منطقة تجمعهم بؤرة خلل اقتصادي واجتماعي، ويتفشى بين سكانها الجهل وسوء التغذية، وتزداد إصابتهم بالأمراض نظراً لعدم توافر المياه النظيفة والصرف الصحي المناسب، كما يتجه بعض سكان مثل هذه المناطق، نتيجة انعدام فرص العمل، إلى الجريمة.
إن توفير الإسكان إحدى أهم الوسائل لتخفيف الفقر عن السكان، فتكاليف المأوى أو المسكن الملائم عادة ما تستهلك غالبية دخل الأسر ـ إن كان لها دخل ـ، وذلك لأن المسكن يعد أغلى عنصر ضمن عناصر متطلبات الأسرة الأساسية. كما أن توفير المسكن الذي تتوفر فيه المياه الصالحة للشرب، والمرافق الصحية المناسبة من مراحيض ودورات مياه وحمامات وصرف صحي، يعد مطلباً أولياً للحفاظ على صحة الأسرة. توفير البيئة التي تضمن سلامة صحة أفراد الأسرة وعافيتهم، وتقلل من احتمال تعرضهم للأمراض، يخفض من حاجتهم إلى إنفاق دخلهم القليل على العلاج، ويحد من عجزهم عن العمل أو تغيبهم عنه، بل يساعدهم على زيادة إنتاجهم وتحسين دخلهم. كما أن لتوافر المسكن الملائم تأثيراً نفسياً يمنح الأسرة الإحساس بالأمان، ويعزز مكانتها الاجتماعية في محيطها الذي تعيش فيه، إضافة إلى أنه يساعدها على توفير جزء من دخلها المنخفض الذي ستخصصه للإنفاق على السكن، وصرفه على المتطلبات والاحتياجات المعيشية الأساسية الأخرى.
إن توفير المسكن الملائم للفقراء بعد توفير فرص العمل وبرامج التدريب المناسبة لهم، يجب أن يشكل الاستراتيجية الأساسية في تمكين الفقراء من تحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية، ومكافحة الفقر وإزالة وطأته عليهم. لقد أظهرت عدد من التجارب العالمية وجود ارتباط قوي بين تحسين مستوى السكن وانخفاض الفقر؛ لأن توفير السكن الملائم يستهلك أكبر كمية من إنفاق الأسرة الفقيرة في الغالب. وأثبتت التجارب أن توفير الإسكان الملائم يعد عنصراً أساسياً لتحسين أوضاع الفقراء الاقتصادية والاجتماعية والصحية، ووسيلة فاعلة لتخفيف حدة الفقر بينهم. توفر مصادر المياه النظيفة في المسكن والصرف الصحي الملائم يمنحهم بيئة سكنية صحية، ينعكس تأثيرها ـ عادة ـ بشكل إيجابي على صحة أفراد الأسرة وقدرتهم على العمل والإنتاج.