حتى لا تموت الفراشة

«أذكر ذات صباح، أني اكتشفت شرنقة في قشرة شجرة، وفي لحظة كانت الفراشة تكسر جدارها وتستعد للخروج منها. انتظرت طويلا لكن الفراشة تأخرت في الخروج، كنت مستعجلا فانحنيت عليها بعصبية وأخذت أدفئها بحرارة زفيري وأنا فاقد الصبر، فبدأت المعجزة تحدث أمامي بنمط أسرع من الطبيعي، تفتحت القشرة وخرجت الفراشة وهي تزحف، ولن أنسى فظاعة ما رأيته حينذاك، فلم يكن جناحاها قد افترقا وكانت جميع أجزاء جسمها الصغير ترتجف، والفراشة تجهد في فتح جناحيها. فانحنيت فوقها محاولا مساعدتها بتنفسي، لكن من دون جدوى، كانت تحتاج إلى نضوج صبور، وفتح الأجنحة يحتاج إلى دفء الشمس ليتم ببطء، ولكن الأوان قد فات الآن، لقد أجبر تنفسي الفراشة على الخروج من الشرنقة وهي ترتعش قبل موعد نضوجها، كانت تهتز فاقدة الأمل وبعد ثوان ماتت وهي في راحة يدي، وظلت هذه الجثة الصغيرة هي أثقل ما في ضميري؛ لأنني فهمت في ذلك الحين أن إرغام الشرائع الكبرى خطيئة مميتة، وأن علينا ألا نتعجل ونفقد الصبر، بل أن نتبع النمط الأبدي بثقة، حيث لا تنفتح الزهرة بالأصابع، وحين نشد غلافها بقوة فلن نحصل إلا على وردة تذبل، لقد فتحناها بأصابعنا وأجبرناها على التفتح».
ينطبق مفهوم النص السابق المقتبس بتصرف من رواية «زوربا» للروائي (نيكوس كاتزانتزاكس) على الكثير من قضايانا التنموية والاجتماعية التي نستعجل تنفيذها وظهورها بالشكل النهائي دون أن نتيح لها فترة المرور بتجربة النضوج الصبور، وتكون النتيجة ظهور حلول مبتورة قصيرة المدى، محدودة التحرك تشبه تلك الفراشة الكسيحة، وكمثال قوي على ذلك هو قضية تمكين المرأة في مجتمعنا، حيث ألاحظ دوما أن الأجندة المطروحة لمعالجة ذلك تنصب دوما في محاولة انتزاع المزيد من القوانين والتشريعات، مع أنني أؤمن بأن تمكين المرأة هو مشروع توعوي تبدأ نقطة انطلاقه من تأسيس بنية فكرية داخل وعي المرأة ذاتها ولا يكفي لضمانه تغيير القوانين والتشريعات فقط، وهذا ما يجعلني أسعى دوما إلى التعامل مع ملف تمكين المرأة من منطلق تقديم آليات في التغلب على الهدر الذاتي؛ لأنني مقتنعة تماما بأن مشكلة المرأة هي الهدر الذاتي أكثر من القهر الخارجي، وأن الانتصارات الداخلية تقود الانتصارات الخارجية، وأننا في حاجة إلى تصميم برامج تسهم في تمكين المرأة من استثمار طاقاتها الذاتية، وحماية خصوصيتها الحضارية وتعزيز قدرتها على المشاركة بمساحة أكبر وحضور أكثر إبداعية في عملية التنمية المستدامة؛ بهدف تحقيق وجود تكاملي دون إذكاء التصادم مع الرجل أو مصلحة المجتمع.
إن قانون التدرج قانون كوني ومحاولات إغفاله تشبه محاولات كسر قانون الجاذبية؛ ولذلك فمن الأجدى لكل صاحب مشروع أو خطة أن يحترم ذلك القانون وأن يصبر على عوائق التغيير التي يمكن أن تعيقه بداية، وأن يصدق بقوة قانون الطاقة الذي يجزم بأنه لا شيء يذهب عبثا، وأن الطاقة تختزن وتتحول، وكل من صبر ظفر بالنهاية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي