هل ستكون الاضطرابات الشرق أوسطية طريق إصلاح العقد الحالي؟

كتبت في مقالة سابقة بعنوان ''الأزمة المصرية وتأثيرها في السوق السعودية'', وقلت في خاتمتها إن من العوامل التي ستؤثر في السوق السعودية ''.. المخاطر السياسية التي قد تترك تبعات طويلة المدى على أسواق المنطقة، خصوصاً إذا استمرت الدعوة بتساقط الرؤوس. ولعل الأسباب الأخيرة هي أسباب سيتعاظم تأثيرها مع مرور الوقت في حال استمرار هذه الظواهر خلال العام، ما يجب الحذر في التعامل مع أسواق المنطقة خلال العام الحالي'', وهو ما حدث بالفعل الآن. فانتشرت الاضطرابات في المنطقة لتشمل البحرين واليمن وليبيا واليمن مع مناوشات معتادة في لبنان وفلسطين. ودخلت إيران وإسرائيل في اللعبة لتزداد أوضاع المنطقة تعقيداً وغموضا، وقراءة مستقبلها السياسي والاقتصادي أكثر غموضاً ومخاطرة. إلا أن المؤشرات الحالية تجعلنا نعيد قراءتنا الاقتصادية لمستقبل المنطقة بما فيها المملكة العربية السعودية. تكاليف حماية تأمين الديون السيادية في ارتفاع، وأسواق أسهم المنطقة في تراجع، والتوقعات تشير إلى تراجع الاستثمار الأجنبي في المنطقة، وبدء هجرة الأموال من الدول الناشئة بما فيها مصر إلى الدول المتقدمة. ففي تقديرات أولية، فإن نحو عشرة مليارات دولار خرجت من صناديق دول ناشئة إلى الدول المتقدمة منذ 25 كانون الثاني (يناير) حتى منتصف شباط (فبراير). وكأننا نعيش قصة أرجوحة تحول ميزانها الآن إلى الدول المتقدمة بعد أن كانت ترجح كفة الدول الناشئة لفترات طويلة.
هذه المؤشرات تنذر برؤية ضبابية أيضاً لمستقبل المنطقة برمتها. فالبعض شبـهها بسقوط سور برلين، وخروج دول أوروبا الشرقية إلى عالم جديد هو عالم الرأسمالية والديمقراطية والحرية الفردية والاستقلالية والشفافية، وهي المفردات نفسها التي استخدمت في العقد الماضي بإنشاء منظمة التجارة العالمية، وكأن منطقة الشرق الأوسط تنحو الآن في هذا الاتجاه عن طريق تغيرات داخلية، وليست خارجية تحدث عن طريق منظمة التجارة العالمية، أو عن طريق معاهد متخصصة في الديمقراطية والشفافية كانت الولايات المتحدة تنوي إنشاءها في المنطقة العربية بعد أحداث 11 سبتمبر 2001.
لقد كنا متفائلين بالعقد الحالي في ظل التغيرات المؤساساتية التي حدثت في العقد الماضي, فكتبت في مقال سابق بعنوان ''الهيئات التنظيمية التي نحتاج إليها في العقد القادم'': .. رغم هذه الصورة السريعة لما قامت به هذه الهيئات، إلا أن ما تحقق إجمالا خلال السنوات العشر الماضية من قبل تلك الهيئات يعتبر مهما في تحقيق تنمية مستدامة خلال السنوات العشر الماضية التي تعرضت لست أزمات حادة تمثلت في الركود العالمي في 2001، حرب الإطاحة بصدام حسين، انهيار سوق الأسهم في 2006، انهيار قطاع المال الأمريكي وتبعاته على القطاع البنكي في أوروبا والدول الأخرى، انهيار قطاع المال والعقار في دبي، وأزمة الديون السيادية الأوروبية. ورغم هذه الأزمات العاتية، إلا أنه يمكن القول إننا خرجنا من تلك الأزمات بأقل الخسائر، بصورة تجعلنا نعلن انتصارا في الخروج من كل ما سبق بسلام وبفوائض مالية كبيرة لم نعهدها من قبل، حيث انتهت 2010 بتحقيقنا استثمارات فائضة بلغت 1.7 تريليون ريال، مع نسبة دين ضئيلة تشكل 10 في المائة من إجمالي الناتج المحلي''. فعطفاً على الأزمات التي حدثت في العقد الماضي وخروجنا منها بسلام، فإن ما يحدث الآن من اضطرابات داخلية في المناطق المجاورة أمر قد يكون تأثيره مختلفا ويصعب تقييمه، ويجعلنا نفكر جدياً في تسريع عملية الإصلاح التي نتحدث عنها جميعاً قيادة وأفراداً وهي القضاء على البطالة والفساد، وهي أهم مفردتين يجب إيجاد حلول عملية للقضاء عليها. لقد تحدث الكثير عن حلول كثيرة ومتعددة إلا أن البيروقراطية المرتكزة على القرار الفردي المزاجي هي أحد أهم عوائق الإصلاح. فالإصلاح عمل مؤسساتي يجب ألا يخضع لقبول وزارة معينة أو منشأة حكومية من عدمه، فالعربة لا تمشي إلا بعجلات يتم التنسيق فيما بينها بشكل آني وديناميكي، فمتى تعطلت أو أعيت إحدى العجلات عن الحركة فإن عربة الإصلاح تتوقف.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي